نقاش هادئ حول تغطية “شوف تيفي” للواقعة المعلومة

نقاش هادئ حول تغطية “شوف تيفي” للواقعة المعلومة

A- A+
  • نقاش هادئ حول تغطية “شوف تيفي” للواقعة المعلومة

    أثار الجدل الذي رافق قضية الممثلة والمؤثرة المعلومة والاتهامات المتداولة حول “الخيانة الزوجية” موجة واسعة من ردود الفعل في المشهد الإعلامي المغربي و”السوشل ميديا”.
    في قلب هذه العاصفة، وجدت قناة “شوف تيفي” نفسها محور تهييج وتحامل قلّ نظيرهما، وصل حد اتهامها بانعدام المهنية والركوب على حياة الناس الخاصة. غير أن قراءة هادئة لسير التغطية الإعلامية تكشف مفارقة لافتة وهي أن قناتنا التي اتُّهمت بالتشهير كانت في هذا الملف تحديدًا أكثر مهنية من بعض المنابر والمواقع والصفحات المشبوهة التي نصّبت نفسها وصية على الأخلاق والمهنية.
    ما الذي حدث بالضبط؟
    الواقعة بدأت بتلقي السلطات شكاية من زوجة تدعي وجود زوجها رفقة فتاتين في بيت الزوجية. انتقلت الشرطة رفقة الزوجة إلى المنزل المعني، وتم تحرير محضر بالواقعة وفق الإجراءات القانونية المعمول بها. وصلنا الخبر “مرافقة الشرطة للزوجة إلى منزلها لضبط الزوج في حالة تلبس رفقة فتاتين”، فكان لدينا السبق في متابعة مجريات الحدث .
    هل تمثل الواقعة حدثًا عاما يستحق التغطية مثل حادثة سير أو حريق أو غيرهما أم أنها شأن خاص حقا؟ هل الواقعة تشكل حدثا اجتماعيا يستحق التغطية الإعلامية أم لا بالمغرب وحتى في فرنسا أو إسبانيا..، ومن يجهل القانون في البلدان المتقدمة فلا يعذر بجهله؟
    إذن الواقعة تعد حدثا يستحق التغطية المهنية، فأين أخطأت قناة “شوف تيفي” ؟
    من المنظور الصحفي، الواقعة تتعلق بشكاية رسمية، وبحضور الشرطة، وفيها طرف آخر هو ممثلة ومؤثرة معروفة. في أي سياق إعلامي مهني، سواء في المغرب أو خارجه، يصبح الخبر قابلًا للنشر، شريطة الالتزام بضوابط واضحة:
    -الاكتفاء بنقل المعطيات المؤكدة، وهذا ما قمنا به بمهنية، إذا المعلومة سليمة ومؤكدة بدليل عرض الأطراف المعنية على القضاء.
    -تجنب الخوض في تفاصيل حميمية، وهو ما لم نخض فيه أبدا .
    -عدم إصدار أحكام مسبقة أو المساس بقرينة البراءة، وهذا ما التزمت به القناة في تغطيتها.. نقل الخبر كما هو، دون إدانة أو تبرئة أي طرف.
    بطبيعة الحال، الزوج غير معروف والزوجة غير معروفة والفتاة الأخرى كذلك رغم توفرنا على صورهم، ولكن الطرف الآخر في القضية شخصية معروفة واسمها متداول ووجهها مألوف في السوشل ميديا، نحن لم نبرئ الزوج أو الرجل باعتباره طرفا في القضية، نشرنا الخبر بحياد وأشرنا إلى إسم الفنانة والمؤثرة مع صورتها باعتبارها طرفا وأيضا لأنها كانت تتطرق لمواضيع جريئة في منصاتها، ولم نحاكمها ولم نتهمها، ولم نخرق قرينة البراءة كما ذهب بعض الزملاء المجتهدين زيادة عن اللزوم، أو كما ردد بعض الكتبة بلا علم، الذين لم يتابعوا بكل تأكيد تغطية قناة “شوف تيفي”، وإنما حرّفوا عمدا تغطيتنا وحشوها بما يحلو لهم من نميمة لحقد أو لجهل أو لحسد “زادوا فيه بزاف وبداو تيعطيونا الدروس بطريقة غريبة..” وحين حسمت المحكمة القضية وكنا قبلها قد أعلنا توقفنا عن تغطية أطوار هذا الموضوع نزولا عند رغبة أصدقائنا وصديقاتنا، حذفنا التغطية من أصلها احتراما لقرار المحكمة .. فهل توجد مهنية أكثر من هذه؟ هل يوجد مراعاة لحياة الناس أكثر من هذا؟
    لقد شكل حدث شكاية الزوجة وتدخل واقعة إخبارية.. إلا إذا كان من يهاجموننا يُطبّعون مع “الخيانة الزوجية” ويعتبرونها ضمن الحقوق الفردية، وأنه يمكن للمغربي أن يجد رجلا في بيت زوجته، أو تجد الزوجة امرأة في بيتها مع زوجها، وتجلس معهما وتتقاسم ما يشربان، وتعتبر ذلك من “الحقوق الفردية” و”الحياة الخاصة”، ونبحث له عن مبررات مخجلة وهذا شيء آخر، واقرأوا الصحف الأجنبية والقوانين الأجنبية لتزدادوا علما يرحمكم الله أما ما ذهب إليه البعض من تبريرات فمن الأحسن “خليونا ساكتين…”
    سارعت قناة “شوف تيفي” إلى تغطية الخبر، وهو خيار طبيعي في منطق العمل الصحفي القائم على صحافة القرب. والتزمت التغطية في مجملها بحدود نقل المعلومة الأساسية. وبخلاف ما أُشيع، لم تنزلق إلى لغة تحقيرية أو تُدخل القارئ في تفاصيل لا صلة لها بالخبر.
    في المقابل، عمدت كثير من المنابر والصفحات والتدوينات التي هاجمت قناتنا إلى تداول تفاصيل الواقعة بشكل موسّع، بل ونشرت تحليلات للممثلة والمؤثرة المعنية رفقة صورها وأشياء أخرى، بشكل مختلق لم يرد في تغطيتنا المهنية، مما ساهم فعليًا في تضخيم الحدث وتحويله إلى قضية رأي عام. لجأت بعض الأصوات حتى إلى تحريف جوهر تغطية “شوف تيفي” عبر نسب عبارات أو وقائع لم ترد أصلًا في تغطيتها، وهو ما جعل جزءًا كبيرًا من التشهير بالممثلة يتم خارج القناة لا داخلها. فكانوا عمليًا هم من مارسوا التشهير ضد الفنانة المعنية.
    المثير في هذا الجدل أن كثيرًا من الأصوات الإعلامية التي قدّمت نفسها حامية للحياة الخاصة وأخلاقيات المهنة وبدأت توزع الدروس في الأخلاق وهي بينها وبين الأخلاق مسافات ضوئية لأننا نعرفهم ونعرف هواياتهم ونواياهم، كانت من أوائل من ساهموا في تأجيج النقاش وتحويل الواقعة إلى مادة استهلاكية جماهيرية. قُدِّمت المحاضرات عن احترام الحياة الخاصة، بينما كانت تفاصيل القصة تُعاد صياغتها على الهواء مرارًا. رُفعت شعارات حماية الكرامة، في الوقت الذي صارت فيه الممثلة موضوع نقاش جماعي يتخطى شخصها إلى تقييم حياتها وخياراتها.
    بهذا المعنى، تحولت الهجمات على “شوف تيفي” إلى نوع من التبرئة الجماعية من مسؤولية إعلامية مشتركة، أكثر منها نقدًا حقيقيًا للمهنية وهنا سقطوا في المحظور وهذا نقاش آخر.
    ليس السبق الصحفي، في حد ذاته، اعتداءً على الخصوصية ولا انحرافًا عن المهنية. الخطر عندما يبدأ الكسول يتصيد المعلومة من عندنا ويحاول “تلويكها” حسب هواه سواء فوق مكتبه أو في مقاهي الابتزاز لأنه لا يعرف كيف يبحث عن المعلومة. وفي حالة “شوف تيفي”، أكدت التغطية أن السبق يمكن أن يتحقق دون تجاوز خطوط حمراء … هنا ينبغي أن يكون تقييم الأداء الإعلامي مرتكزا على المحتوى الفعلي لا على الأحكام المسبقة أو الانطباعات العامة.
    تطرح القضية سؤالًا أوسع يتجاوز قناتنا نفسها إلى المشهد الإعلامي ككل: هل يملك الإعلام المغربي اليوم ميثاقًا واضحًا يحدد حدود التغطية في القضايا ذات الطابع الشخصي؟ إلى أي حد يمكن أن يتحول الدفاع عن “الأخلاق” إلى أداة انتقائية تُستخدم لضرب المنافسين وتصفية الحسابات مع قناة احتضنها الجمهور لمصداقية الأخبار التي تقدمها. أين يقف الإعلام المغربي بين مهمتين متناقضتين أحيانًا: خدمة حق المواطن في المعلومة وحماية الأفراد؟ وما هو الخصوصي والعام لدى المشاهير والشخصيات العمومية التي تقتحم بيوت الناس ويمنحوها جزءا من وقتهم وركنا في قلوبهم؟
    القضية التي شغلت الرأي العام تكشف هشاشة الحدود بين السبق الصحفي والتهييج الإعلامي في المغرب. وفي خضم هذا الجدل، يبدو أن تحميل “شوف تيفي” مسؤولية ما حدث تبسيط مخلّ للمشهد..
    مرحبا بالدروس حول المهنية إذا كانت حقيقية وناتجة عن غيرة على الصحافة، ولكن أن يركبها الفاشلون والحاسدون للنيل من قناة “شوف تيفي”، فنحن أكبر من الاتهامات المجانية، كم مرة ذكر اسمي بالباطل ونشرت صوري في قضايا ذات طابع جنائي باختلاق وقائع ثبت أنها زائفة، وقيل فيّ وفي قناة “شوف تيفي” وصحافييها المعروفين والمجتهدين “ما لم يقله مالك في الخمر”، ونشرت صور حميمية لمنزلي مصحوبة بسموم واهية، وذكرت أسرتي بالسوء وبالباطل ونشرت الأكاذيب ولازالت عن الزميلة فاطمة الزهراء وزملاء آخرين من القناة، ومع ذلك كنا نترفع ولا زلنا..
    من سيقتل “شوف تيفي” ليس الحسد وزيف الاتهامات الباطلة ولا الأراجيف ولا الأقاويل المختلقة وووووو، وإنما جمهورها حين سيحس بأنها تخلت عن وظيفتها في الإخبار وفي تزويدهم بالمعلومة وتخليها عن المهنية وهذا لن تحلموا به لأننا قولا و فعلا “قناة الشعب”، والشعب وهو من بوأنا هذه المكانة…

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الذكرى الـ50 للمسيرة الخضراء..صاحب الجلالة الملك محمد السادس “قائد إصلاحي كبير”