الدخول السياسي والاجتماعي: تحديات وانتظارات
الدخول السياسي والاجتماعي: تحديات وانتظارات
مع حلول الدخول السياسي والاجتماعي، يقف المغرب عند مفترق طرق حاسم، المواطنون يطالبون بحلول ملموسة لقضايا باتت مستعصية، فيما تظل الحكومة مطالبة بترجمة شعارات «الدولة الاجتماعية» إلى سياسات ناجعة، متّسقة، وقادرة على التأثير في حياة الناس اليومية. فما الذي يُنتظر؟ وما الذي ينبغي أن يُدرج على أجندة مختلف الفاعلين لضمان دخول سياسي واجتماعي ناجح؟
لا شك أن السنوات الأخيرة حملت ملامح تطور ملموس على مستويات عدة، من تعزيز الإطار التشريعي، إلى إطلاق مشاريع كبرى في البنية التحتية، خاصة في المدن التي تُعوّل عليها البلاد لاحتضان رهانات إفريقية ودولية استراتيجية. غير أن هذه الدينامية، على أهميتها، لم تُلغِ الانتظارات المتزايدة التي تعكسها الأصوات المطالبة بالعدالة الاجتماعية والمجالية، وتحسين الأجور والمعاشات خصوصًا لفئة المتقاعدين، إضافة إلى مطالب تشغيل الشباب وأصحاب الشهادات الذين يواجهون بطالة متفاقمة أو هشاشة مهنية واضحة.
لقد بادرت الحكومة إلى خطوات مهمة مثل إطلاق الحوار الاجتماعي المركزي، وتفعيل الزيادات الموقّعة مع النقابات، ورفع الحد الأدنى للأجور تدريجياً، وتحسين الدخل في القطاع العام. لكن رغم هذه الإجراءات، ما تزال هناك فجوة كبيرة بين انتظارات المواطنين وقدرة الحكومة على إبداع الحلول والاستجابة السريعة، لأسباب متعددة: ضغط اقتصادي متزايد بسبب آثار التضخم العالمي وارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع القدرة الشرائية التي تقوّض أثر أي زيادات في الأجور أو تحسينات في المعاشات إذا لم تُواكبها سياسات ضبط الأسعار ومكافحة الاحتكار.
وبسبب ضعف التنسيق الحكومي الاستراتيجي، فغالباً ما تُطرح البرامج المرتبطة بالتشغيل، والتعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية كمبادرات متفرقة دون رؤية متكاملة طويلة المدى. وبسبب ضغط تعدد المطالب وتشظّيها، إذ هناك فئات من المجتمع – من الشباب إلى المتقاعدين، ومن الموظفين العموميين إلى العاملين في القطاع غير المهيكل – تحمل مطالب متباينة، مما يجعل عبء الحوار الاجتماعي ثقيلاً ومعقداً.
إضافة إلى ما أشار إليه آخر خطاب ملكي من تحديات بنيوية تتمثل في اللامساواة الجغرافية بين المدن والمناطق القروية وضعف الخدمات الأساسية في بعض الأقاليم، إلى جانب أزمة الموارد المائية والغذائية، التي تُفاقم صعوبة الاستجابة.
مما يفرض على الحكومة أن تواصل تنفيذ التزاماتها الاجتماعية، لا سيما ما يرتبط بتحسين الأجور والحد الأدنى للأجور، تحت ضغط النقابات والمجتمع المدني. كما قد يُطرح ملف العدالة الضريبية والشفافية بقوة أكبر، باعتباره مطلباً متكرراً من الفاعلين الحقوقيين والاقتصاديين في ظل الانتقادات حول التفاوت في توزيع الثروة. لكن من دون إصلاحات هيكلية جريئة، ستبقى الوضعية هشة.
وحتى يكون الدخول السياسي والاجتماعي الجديد أكثر فاعلية، فإن الأولويات تطرح على الحكومة ضرورة صياغة استراتيجية وطنية متكاملة للتشغيل تستحضر تحديات الرقمنة والابتكار، تسريع تعميم الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الهشة والعاملين في القطاع غير المهيكل وتعزيز الحكامة المالية والضريبية لمكافحة التهرب وضمان موارد مستدامة.
وتستوجب من النقابات والمنظمات الاجتماعية توحيد المطالب ضمن رؤية واقعية وتقديم مقترحات إصلاحية بديلة، ومتابعة تنفيذ الاتفاقات الاجتماعية بصرامة مع المطالبة بالمساءلة.
وعلى المجتمع المدني والمواطنين مسؤولية القيام بواجبهم عبر الانخراط الواعي في المشاركة السياسية والاجتماعية عبر الانتخابات، الحوار المحلي والتعبير السلمي، مع السعي إلى تجاوز المواقف الانعزالية أو الفئوية.
إن الدخول السياسي والاجتماعي لهذه السنة يشكل لحظة اختبار حقيقية. فالمطلوب لم يعد مزيداً من الوعود أو الخطابات، بل حسب التوجيهات الملكية هو إنجازات ملموسة تُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع. الفجوة بين الطموحات والموارد لا تزال واسعة، لكنها ليست عصيّة على «التجسير» إذا ما توفرت إرادة سياسية جريئة، وتنسيق فعّال بين مختلف الفاعلين، ورؤية استراتيجية تضع المواطن في صلب أولوياتها. وحدها إصلاحات هيكلية متينة كفيلة بتحويل خطاب «الدولة الاجتماعية» من مجرد شعار إلى واقع ملموس يشعر به الجميع.