بوح الأحد: مراسيم أربعينية المرحومة GEN Z على هامش التخليد الباهت …
بوح الأحد: مراسيم أربعينية المرحومة GEN Z على هامش التخليد الباهت للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ترامب يعلن نهاية معايير الديمقراطية و حقوق الإنسان كمرتكز للسياسة الخارجية الأمريكية بعد أن أدار ظهره للإسلام السياسي و أشياء أخرى…
أبو وائل الريفي
خلد العالم هذا الأسبوع ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ظرفية تتسم بأوضاع حقوقية غير مبشرة في ظل حروب ونزاعات وانتهاكات تتزايد وتتسع معها رقعة المتضررين.
لا يخفي السياق الدولي تراجعا ملحوظا للمنظمات الحقوقية مقارنة مع عقود سابقة، كما لم يعد من الأسرار فهم أن الديمقراطية وحقوق الإنسان لم تعد تشكل أولوية للقوى الكبرى مقارنة مع عقود سابقة. بالمقابل، لم تعد الكثير من الدول تنطلي عليها أساليب بعض من هذه المنظمات التي تشتغل وفق أجندات المتحكمين فيها للإخضاع والابتزاز، بل صار الرأي العام الدولي يعي بأن الكثير منها مجرد أذرع تسلطية لترهيب الدول.
في المغرب، يسجل في هذه المناسبة التقدم الكبير الذي أنجز طيلة هذه المدة، سواء على مستوى الدستور أو القوانين أو المؤسسات أو الحكامة في تدبير القضايا المرتبطة بالحقوق والحريات. وهو تقدم ناتج عن اهتمام ملكي منح لحقوق الإنسان أولوية منذ توليه العرش، ونتذكر جميعا الرسالة الملكية بمناسبة 10 دجنبر 1999- أي شهورا فقط بعد بداية عهده- والتي قال فيها جلالته: “نجدد التزامنا بحقوق الإنسان وبقيم الحرية والمساواة. ذلك أننا نؤمن إيمانا راسخا أن احترام حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق الدولية المكرسة لهذه الحقوق، ليس ترفا أو موضة بل ضرورة تفرضها مستلزمات البناء والتنمية. لقد اعتبر البعض أن الأخذ بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد يعطل التنمية والتقدم وقد يصطدم بخصوصية ثقافية حقيقية أو مفترضة تتنافى وهذه الخصوصية. ونحن نرى من جهتنا أن لا تنافر بين دواعي التنمية واحترام حقوق الإنسان”.
تم التنصيص في الدستور على كل الحقوق والحريات بشكل صريح وتم تأمين كل ضمانات التمتع بها وتم إدراج اعتماد كل الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب بما تقتضيه من سمو، بل اعتبر الدستور أن الاختيار الديمقراطي والمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور غير قابلة للمراجعة (في الفصل 175)، وقد اعتبر ذلك بمثابة ولوج إلى الدول التي رسخت هذا الاختيار الديمقراطي وقطعت مع كل احتمالات التراجع عن ذلك.
تم إرفاق التنصيص الدستوري باعتماد ترسانة قانونية متلائمة مع أفضل التشريعات الدولية التي تنظم ممارسة كل الحقوق والحريات، وحتى على المستوى المؤسساتي تم اعتماد مجموعة من المؤسسات المتوافقة مع المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان. وقد عبر الخطاب الملكي لسنة 2002– بمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- عن أهمية هذه المؤسسات حين قال جلالته: “إننا بتنصيبنا لكل من ديوان المظالم والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لا نستهدف فقط تعزيز الأجهزة المكلفة بمساعدة جلالتنا على حماية حريات المواطنين وإنما نرمي إلى تزويد بلادنا بمؤسسات كفيلة بتقويم الاختلالات وردع الانتهاكات التي قد تمس حقوقهم مساهمة باقتراحاتها العملية في الإصلاح التشريعي والقضائي والإداري. وإذا كان المجلس في هيأته الاولى، قد كرس جهوده لحل القضايا العالقة في حقوق الإنسان، فإنه في تركيبته الجديدة يتوجه نحو مغرب المستقبل الذي نريد له أن يكون مغرب الترسيخ النهائي لحقوق الإنسان”.
تم كذلك تنزيل التوصيات المرتبطة بالحكامة الأمنية وأجرأتها في الواقع، وعقدت من أجل ذلك تكوينات وشراكات، وصدرت توصيات ومذكرات ودوريات كلها تعزز هذه الحكامة.
أحدثت كل هذه الخطوات حالة اطمئنان في المجتمع، وتقبلها الحقوقيون وجعلت الكثير منهم يغير من طريقة عمله ويعيد ترتيب أولوياته ويركز على النقائص في مجالات لم يطلها الإصلاح بالطريقة التي تساير دمقرطة الدولة والمجتمع بالتوازي.
وحدهم بعض العدميين بقوا في حالة شرود، وفي المقدمة الجمعية التي تتقمص لباسا حقوقيا دون أن تفي بمتطلبات تلك الصفة لأنها في الحقيقة مجرد غطاء لحزب سياسي عجز عن فرض نفسه بالأساليب الديمقراطية فلجأ إلى العمل الحقوقي ليصرف من خلاله مواقفه الحزبية.
كان لافتا للانتباه أن هذا المسار الحقوقي لم يرق لمن اعتاد الاستقواء على الدولة بهذا الملف، وألف مراكمة المداخيل الريعية والانتشاء بالمواطنة الامتيازية لأنه مسار لم يميز بين المغاربة وتعامل معهم جميعا بنفس المكانة. ولعل هذا كان من أهم أسباب غضبهم لأن من ألف الاختباء وراء حقوق الإنسان وهو أول من يخرقها رفع عنه الغطاء وطبق عليه القانون مثل غيره.
في هذا الأسبوع بدا واضحا أن جمعية نهجاوة -وليعذرني مناضلو باقي التيارات لأنهم لا حول لهم ولا قوة داخل الجمعية أمام النفوذ النهجوي- في حالة شرود حقوقي وعزلة عن المغاربة. حاولت بكل ما أوتيت من أساليب استعراض قوتها ولكنها فشلت لأن الأعداد التي تجاوبت مع دعواتها للاحتجاج كانت ضئيلة، وهو ما يؤكد أن خطابها لم يعد يغري حتى مناضليها وأنها تعيش عزلة كاملة عن المغاربة.
حالة العدمية التي عليها رفاق ما قبل سقوط جدار برلين تقودهم نحو انتحار سياسي بطيء. لا يصدق كل من يعيش في المغرب أو يتابع يومياته الخطاب الذي ما يزال يسيطر على “عواجيز” الجمعية القابضين على المناصب داخلها بمنطق الدوران والتناوب المغلق والريع العائلي.
لم يجد نهجويو الجمعية ما يملؤون به اليوم العالمي لحقوق الإنسان سوى التنسيق مع خلاياهم في الخارج (فرنسا وكندا) لحشد الجمهور المغفل المستلب من ذوي الهويات الرقمية والبحث عن سبل إسعاف حراك مصطنع وبمطالب لم يتجاوب معها المغاربة ومن منصات تأكد أنها تدبر من خارج المغرب لخدمة أجندات حاقدين على المغرب ونجاحاته.
لقد قلنا في أكثر من بوح سابق بأن إكرام الميت دفنه، والتعجيل بذلك مطلوب ولكن هناك من يتعمد تجاهل الحقائق، ويتلذذ بالإعاشة على حساب آلام المغاربة الذين يرى فيهم أصلا تجاريا وبضاعة مربحة. هناك من بدل “إنا لله وإنا إليه راجعون” ب “إنا للشارع وإنا إليه راجعون”. مثل هؤلاء يظنون أن نداءاتهم ستجلب الجماهير استجابة لشعاراتهم التي تتوافق مع أجندات أجنبية وتتعالى في ظرفية غير بريئة.
يدفع “المناضلون الأمميون” بضحاياهم للمواجهة بعد أن تسببوا في معاناتهم بتهورهم ومغامراتهم بينما هم يتفرجون عليهم وينعمون بالشهرة على ظهورهم، ولا أريد أن أتحدث عن أمور أخرى سيأتي أوان كشفها.
اصطدم “الزيديون: Z” بالحقيقة في اليوم الذي شهد على فضيحتهم من حيث ظنوا أنه سيكون يوم الانطلاقة الجديدة لعربدتهم بالشارع. اكتشفوا أنهم لم يجمعوا الحد الأدنى الذي يرفعون به شعارا رغم أنهم اختاروا أماكن ووقت الذروة. كانوا يعدون على رؤوس الأصابع بالبيضاء ومكناس. هل هذه إذن هي العودة القوية للشارع؟ فالأمر لم يكن في الحقيقة إلا حضورا باهتا في مراسيم أربعينية المرحومة Z و لم يكونوا إلا شهودا على دفن حركة لقيطة قضت في غرف الإنعاش غير المجدي.
منطق المعاندة للحقائق لن يجدي الطوابرية لأن المغاربة استوعبوا حقيقة ما أطلق عليه زورا حراكا جيليا، وفهموا حقيقة الشعارات التي يريدون بها دغدغة العواطف وإثارة الانتباه والتشويش على مسار ناجح للمغرب.
لن ينفع النفخ الإعلامي الذي تقوم به بعض المنابر الأجنبية المعروفة بعدائها للمغرب وتبحث عن أقرب فرصة لتصفية حسابات قديمة معه.
الأولى لمن تسببوا في الفواجع للعائلات وغرروا بأبنائها ودفعوهم للتهلكة الاعتذار عن أفعالهم. الأولى لمن يغامرون بمصالح المغاربة ويبحثون عن الفوضى في الشارع بتقديم القاصرين قرابين لإرضاء أمراضهم التوقف عن هذه المغامرات الصبيانية.
لن توقف هذه الدعوات المعزولة قطار النجاحات المغربية. ستنظم البطولة الإفريقية في موعدها ووفق الترتيبات التي اتخذت لها. يعي المغاربة أن هذا رهانهم جميعا، وأن نجاح هذه البطولة القارية عربون يقدمونه للعالم بأنهم قادرين على النجاح في تنظيم كأس العالم وغيرها من الاستحقاقات التي يتولى المغرب تنظيمها.
ها هم “الزيديون” المزورون فشلوا مرة أخرى في العودة إلى الشارع، وها هم عواجيز الجمعية عجزوا عن تشويه الوضع الحقوقي بالمغرب واكتشفوا عزلتهم. وها هو اليوم العالمي لحقوق الإنسان كان مناسبة أخرى شهدت عما حدث في المغرب من تطور حقوقي.
لا يمكن لأحد ادعاء أن المغرب وصل حالة الكمال فهذا ضرب من الخيال، ولكنه بكل تأكيد بعيد كل البعد عن الصورة السوداء التي يريد الطوابرية ومقاولو فري كلشي تقديمه بها. المغرب يصنع نموذجه ويسير نحو ترسيخ حقوق الإنسان في مؤسسات الدولة والمجتمع بسرعة وتوازن ليشمل التطور كل مجالات وأنواع حقوق الإنسان.
يتجاهل الطوابرية ما يحدث في تونس من ردة حقوقية طالت طيفا واسعا من المعارضين الذين يجدون أنفسهم في السجن.
ما يعلم من حقوق الإنسان بالضرورة أنها شاملة وغير قابلة للتجزيء ولا تحدها حدود، ولكننا نتابع باستغراب حالة الخرس غير المبررة التي أصابت المشرد في تونس وهو على بعد أمتار مما تعانيه حقوق الإنسان هناك. يستحضر عامل السن في قضية زيان وهو أعلم بما ارتكبه من جرائم حق عام ويتجاهل سن المعارض الشابي الذي تجاوز عقده الثامن ويزج به في السجن في قضية سياسية لا تحتمل الاختلاف حولها. لماذا هذا التناقض؟ لماذا هذه الازدواجية؟ لماذا الكيل بمكيالين؟
لقد أسقط المشرد القناع عن وجهه وأظهر حقيقته. هو مستعد، مقابل تأمين إقامته، للصمت عما يراه أمامه من خروقات، وله قابلية لبيع كل شيء مقابل دنانير يغطي بها مصاريفه، ومستعد لتجاهل تقارير منظمته المفضلة التي طالبت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين هناك. هذا هو مصير كل طوابري عنيد وحاقد سقط في خدمة أجندات أعداء المغرب، وسوف يرى أكثر مما يعيشه وحينها لن يسعه إلا أن يعي صواب المثل المغربي “قطران بلادي ولا عسل البلدان” مع العلم أنه كان معززا مكرما في بلده ولكن طمعه وسوء تقديره لحجمه كان سبب معاناته.
صدرت في نهاية الأسبوع وثيقة عن الإدارة الأمريكية حول موضوع استراتيجية أمنها الوطني تحمل توقيع الرئيس ترامب. المثير في هذه الوثيقة التي تستحق الدراسة أنها تعيد حسابات أمريكا حول ما ومن يحيط بها مع رغبة في الحفاظ على ريادتها العالمية بناء على معايير جديدة ووفق منطق الربح والخسارة وبعيدا عن المماحكات الإيديولوجية.
كان لافتا للانتباه في هذه الاستراتيجية اعتراف بحالة “إرهاق إمبراطوري” وقعت فيها أمريكا في الإدارات السابقة حسب تقييم الساكن في البيت الأبيض، ولذلك فقد كان من أهم مفردات الاستراتيجية الجديدة عدم ربطها التأثير بالانتشار العسكري في الساحات خارج الحدود الأمريكية ولكن تم ربطه بالقدرة على التأثير عن بعد في المجالات الحساسة اقتصاديا وماليا وتقنيا وصناعة تحالفات قوية. هذا هو ما سيعطي، حسب هذه الاستراتيجية، لأمريكا ريادتها وليس إثقال كاهلها بالالتزامات وتورطها في الحروب ووجودها خارج حدودها. هذا يمكن اعتباره امتدادا لسياسة القيادة من الخلف وبشكل غير مباشر وبوادره كانت تظهر بوضوح في الولاية السابقة لترامب.
نحن على أبواب عهد جديد مع ترامب وتياره برؤية مختلفة للعالم وقانونه ومؤسساته وموقع أمريكا منه. إنه التجسيد العملي لشعار “أمريكا أولا”، بما يعنيه من انكفاء على الذات وتجنب التورط في مناطق النزاعات. إنه منطق الاقتصاد أولا مقابل تواري الديمقراطية ومشتقاتها. إنه منطق التخفف من الأعباء وتغيير المساعدات بالشراكات. إنه منطق إعادة النظر في معايير القوة والعداوة والصداقة والمصلحة.
بسبب مكانة أمريكا ستفرض هذه الاستراتيجية تغييرات مؤثرة في العالم وعلى الجميع الاستعداد لذلك. وهذا ما تنبه له المغرب مبكرا وهو يؤكد على وجوب تقوية التعاون جنوب جنوب، وتنويع الشركاء، وتقوية البناء الداخلي للدولة، وعدم الاستسلام لبعض الخيارات المتسرعة ذات النزوعات الشعبوية التي لا ترى بعين بعيدة النظر لما يحدث في العالم.
لقد كان مثيرا في هذه الاستراتيجية رؤية الإدارة الأمريكية لمستقبل إفريقيا والشرق الأوسط وهي تستحق أن نتأمل فيها لأنه ستلقي بظلالها على المنطقة التي نحن جزء منها.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تضع موضوع الأمن في مكانه الطبيعي وتستحضر خطورته وهي تعبر “ويجب علينا أيضا أن نظل حذرين من عودة النشاط الإرهابي الإسلامي في بعض مناطق إفريقيا، مع تجنب أي وجود أو التزامات أمريكية طويلة الأمد هناك”، و”يمكننا -ويجب علينا- التعامل مع هذه التهديدات أيديولوجيا وعسكريا، دون الانخراط في حروب “بناء الأمم” استمرت لعقود دون جدوى”.
مما سيطبع هذه الاستراتيجية في الشرق الأوسط حرص أمريكا على توسيع اتفاقيات أبراهام “لدينا أيضا مصلحة واضحة في توسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل مزيدا من الدول في المنطقة وكذلك دولا أخرى في العالم الإسلامي”. والأمر الآخر عدم احتلال هذه المنطقة أولوية في تفكير الإدارة الأمريكية “لكن الأيام التي كان الشرق الأوسط فيها يهيمن على السياسة الخارجية الأمريكية، سواء في التخطيط بعيد المدى أو في التنفيذ اليومي، قد انتهت. ليس لأن الشرق الأوسط لم يعد مهما، بل لأنه لم يعد ذلك المسبب الدائم للاضطراب والمصدر المحتمل لكارثة وشيكة كما كان في السابق. بل إنه اليوم يبرز كمنطقة شراكة وصداقة واستثمار، وهو اتجاه يجب الترحيب به وتشجيعه. في الواقع، فإن قدرة الرئيس ترامب على توحيد العالم العربي في شرم الشيخ سعيا إلى السلام والتطبيع ستتيح للولايات المتحدة أن تعطي الأولوية أخيرا للمصالح الأمريكية”.
يتحسس كثيرون من هذه الاستراتيجية، وفي مقدمتهم تيارات الإسلام السياسي التي دأبت على الانتعاش من القرب من الإدارة الأمريكية لأنها ظلت حاميتها وداعمة لها من وراء حجاب، ولكنها اليوم انقلبت عليها ولا تتردد في تصنيفها في خانة الإرهاب بعد أن قضت منها وطرها.
تحدثت في البوح السابق عن بعض من هذا، وخلال هذا الأسبوع اتسعت الدائرة بإعلان حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الولاية.
إنه خريف الإسلام السياسي الذي صار في وجه العاصفة، ويؤدي ثمن انحيازه للخارج والاستقواء به على بلاده. والدرس مرة أخرى موجه لإخوان المغرب لعلهم يتعظون ويستفيدون ويراجعون خياراتهم.
من الذين يعيشون حالة تيه ويتخبطون في دائرة مغلقة عدلاوة الذين لم يتبق لهم من تراث شيخهم سوى يوم كل سنة يرددون فيه أسطوانة الوفاء ولا يدري أحد الوفاء لماذا ولمن؟
الذكرى 13 لوفاة مرشد عدلاوة مناسبة أخرى للمريدين لاكتشاف جماعة غارقة في الخرافة وأسيرة مجموعة منتفعين من إرث ريعي لأتباع أصبح وعيهم يتزايد يوما بعد آخر بهذه الحقيقة.
الإكليروس المتحكم في الجماعة والذي يدعي الوفاء للشيخ هو نفسه الذي يرفض طبع ما تبقى من كتبه ونشرها للأتباع الذين ينتظرونها للتبرك أكثر من انتظار من يرغب في المعرفة لأنهم ألفوا من كتاباته إعادة تدوير نفس الفكرة التي يمططها في كل كتبه على مدار نصف قرن.
لا يعرف المريدون أن الإكليروس صار يتحسس من الأعراض التي يمكن أن تصيبهم من أفكار الشيخ المليئة بما هو مجرم في القانون الدولي في ظرفية يعيش فيها الإسلام السياسي نهايته. يتداول الأتباع الأخبار عن كتب خمسة لمرشدهم -ضمن سلسلة دولة القرآن- لم تر النور رغم مرور أزيد من عقد من الزمن ويستغربون عن معنى الوفاء إن لم يعجل بنشرها.
يجهل الأتباع، وربما يتجاهلون، أن مصطلحات دولة القرآن والخلافة وما شابهها صارت تصيب الإكليروس المتحكم في رقابهم بالحساسية لأنها من جهة تسهل تصنيفهم على غرار الإخوان وتنظيماتهم الموازية أو تباعد الشقة بينهم وبين اليسار الذي يلتصقون به بحثا عن غطاء حقوقي وإبعادا لتهمة يعرفون أنها قد تعصف بجماعتهم في الداخل والخارج.
حالة الانسداد الإيديولوجي والتآكل التنظيمي والعزلة السياسية وأمراض الشيخوخة صارت هي السمة الغالبة على الياسينيين.
نفور الشباب من الأبناء الرافضين العيش في جلاليب الآباء والأمهات تؤرق الإكليروس لأنهم يستشعرون حالة العقم التي تعانيها الجماعة ويعرفون حجم التهديد الذي تشكله على مستقبلها، وخاصة في ظل حالة الجفاف والقحط “الدعوي” الذي يضرب الجماعة منذ سنين متواصلة.
تتمسح القيادة بشعار الوفاء والثبات لأنها تنظر إليه كأصل تجاري ومخدر سيكولوجي يقمع انتفاضة الشباب ويبقي على حالة الدروشة التي تضمن لحراس المعبد دوام الانتفاع من ريع شهري يصل للمنتفعين من جيوب الفقراء في عملية نصب وجريمة مكتملة الأركان ولكنها مغلفة بعناوين أخرى.
تبحث القيادة عن ملف آخر لإلهاء الأتباع بعد أن هدأت الحرب على غزة، وقد اعتادوا على هذا الأسلوب خوفا من تحريك المحاسبة والمساءلة عن تدبير أمور الجماعة ومدى شفافية معاملاتها.
أصبح الهمس والغمز واللمز والكولسة لغة الأتباع الذين “ينكتون” على بعض قيادييهم وهم يستنكرون النعيم الذي يعيشون فيه مع أنهم عاطلين عن العمل. هل أصبحت الجماعة تؤدي لهؤلاء مقابلا عن كل تدوينة؟ أو مقابلا عن كل مشاركة وشعار؟
يتساءل الأتباع باستغراب عن التحالف المقدس الذي تصر عليه القيادة مع من يعتبرونهم أعداء إيديولوجيين وعلاقته بإرث الشيخ الذي يدعون الوفاء له ولأفكاره التي لم تخف يوما أنها على نقيض ما يؤمن به اليسار بمختلف تشكيلاته.
يتساءل الأتباع مستنكرين سبب الخلود في كراسي المسؤولية والتشبث بالرئاسة بالنسبة لمن يدعون العرفان والزهد رغم حالة العجز التي عليها الكثير منهم.
ما تعيشه العدل والإحسان هو مثال آخر لنهاية نسخة أخرى من الإسلام السياسي حاولت نسج نموذج هجين يخلط بين “الإخوانية” والتصوف والتشيع بتوابل يسارية وليبرالية فكانت النتيجة فشل على كل الأصعدة. هذا ما ترفض القيادة العدلاوية الاعتراف به وتبحث دائما عن إشغال الأتباع لتفادي التفكير فيه ولكن جزءا مهما منهم صاروا على دراية بهذه الحقائق ويفضلون الانسحاب في صمت.
بدأت بعض تيارات اليسار تعي أن التعويل على عدلاوة كمتعهدين للحفلات النضالية رهان خاسر. وبدأوا يعون بأن عدلاوة يبتزونهم بذلك، ولذلك نعيش بوادر انكشاف هذه الحقائق.
لا يمكن أن نختم هذا البوح دون أن نحيي الخطوة التي أقدم عليها عبد اللطيف حموشي بإيفاد لجان مشتركة تمثل مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني ومسؤولي الأمن على الصعيد الجهوي بزيارات منزلية لمجموعة من متقاعدي ومتقاعدات الشرطة ممن يعانون من أمراض مزمنة للاطمئنان على أحوالهم الصحية والمعيشية وإعادة مد جسور التواصل معهم.
لمثل هذه الخطوة وقع إنساني كبير على المعنيين بها وأسرهم وعلى المجتمع برمته. هي خطوة وفاء تتجاوز العلاقة المهنية لتضفي على هذه المؤسسة لمسة إنسانية تنضاف إلى مبادرات سابقة تؤكد أن أنسنة هذا المرفق خيار استراتيجي ومنهجية عمل مدروسة تؤتي ثمارها بالنسبة للمرفق والعاملين به والمرتفقين.
لا نستغرب إذن من التغيير الحاصل في نظرة المجتمع لعمل الشرطة والأمن لأن المغاربة يلمسون عن قرب جدواه في معاملاتهم وحياتهم، ويشعرون بأهمية ما ينعمون به وهم يطالعون ما ينتج عن ضعف هذا المرفق في دول كثيرة تتجاوز انعكاساتها المجال الأمني لتلقي بكلكلها على المجالات التنموية في كل أبعادها.
موعدنا بوح قادم.