بوح الأحد: المغرب بكل مكوناته يسابق الزمن لتفصيل مبادرة الحكم الذاتي …

بوح الأحد: المغرب بكل مكوناته يسابق الزمن لتفصيل مبادرة الحكم الذاتي …

A- A+
  • بوح الأحد: المغرب بكل مكوناته يسابق الزمن لتفصيل مبادرة الحكم الذاتي من الجهوية الموسعة إلى حكومة محلية في الجنوب ٱختصاصاتها و مواردها و …توشيح حموشي بالقلادة الكبرى من وسام الاستحقاق للحرس الوطني الإسباني يبطل فرية بيغاسوس و أشياء أخرى …

    أبو وائل الريفي

  • ما تزال تداعيات القرار رقم 2797 لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية تلقي بظلالها على المنطقة وتبرز آثارها على جميع المعنيين به.
    في هذا الأسبوع كان لافتا للأنظار الدعوة الملكية لعقد اجتماع مع الأحزاب السياسية حول القرار. يكتسب هذا الاجتماع قيمته من المنهجية التشاركية التي يعتمدها الملك في القضايا التي تهم المغاربة، وتتجلى أهمية هذه المنهجية في ارتكازها على توسيع التشاور بشأن هذا النوع من القضايا وفتح المجال للأحزاب للإدلاء بآرائها، وإحاطتها علما بكل المستجدات والتطورات للقيام بوظائفها التأطيرية والتوعوية تجاه الشعب. وقيمة الاجتماع اكتسبها كذلك من ترؤسه من طرف ثلاثة مستشارين للملك، الطيب الفاسي الفهري وعمر عزيمان وفؤاد عالي الهمة، وبحضور وزيري الداخلية والخارجية. الاجتماع تم بالديوان الملكي وبأمر من الملك وفي توقيت له أكثر من دلالة بشأن موضوع يكتسي أولوية واستعجالية تتطلب المراحل القادمة منه تعزيز المكتسبات التي تحققت بعد هذا القرار الذي أكد سيادة المغرب على جنوبه ورسخ المبادرة المغربية للحكم الذاتي كأرضية لطي الملف.
    يستشرف المغرب في المدى القريب مفاوضات حول هذه المبادرة التي تقدم بها منذ سنة 2007، وشكلت منذ ذلك الحين منعطفا حاسما في تعاطي المنتظم الدولي مع هذا النزاع المفتعل، وبتدرج له أكثر من دلالة استطاعت هذه المبادرة جلب الاهتمام والتأييد حتى صارت جل دول العالم تتعامل معها باعتبارها المبادرة الوحيدة المطروحة لحل هذا النزاع التي تتسم بالواقعية والجدية والمصداقية لدرجة أنها حازت اعتراف ثلاثة دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وأغلبية دول القارة الإفريقية وغالبية دول القارة الأوربية بما فيها فرنسا وإسبانيا الخبيرتين بهذا النزاع.
    مبادرة الحكم الذاتي كحل لهذا النزاع هي منتوج كامل للملك محمد السادس الذي يحسب له أنه راجع التعاطي مع هذا الملف وأخذ وقته اللازم للإحاطة بكل تفاصيله واقترح مقاربته التي تميزت منذ ذلك الوقت بفرادتها وجدتها، وهو ما أعطى للموقف المغربي زخما دوليا داعما كان يقابله دائما تعنت وتصلب من الطرف الآخر.
    قامت المقاربة الملكية على أركان أربعة أولها إعطاء الأولوية لتنمية الأقاليم الصحراوية وتخصيص موارد مادية مهمة لتأهيلها والاعتناء بالعنصر البشري وحفظ تاريخ المنطقة وتسريع اندماجها الكامل والشامل في النسيج الوطني وإعدادها لتكون بوابة عبر المغرب لكل القارة الإفريقية جنوب الصحراء. وتجسد هذا الاهتمام بشكل ملموس في النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية سنة 2013 والذي قال بشأنه الملك في خطابه “ويظـل هـدفنـا الأسمى، جعل أقاليمنا الجنوبية فضاء للتنمية المندمجة، والعيش الكريم لأبنائها، وتعزيز بعدهـا الجيو استراتيجي، كقطـب جـهـوي للربط والمبادلات بيـن أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء”.
    بهذه المقاربة التنموية استطاع المغرب كسب ثقة المنتظم الدولي وسد الباب على كل الادعاءات وتقديم دليل ملموس على طبيعة المكانة التي تحتلها الصحراء المغربية عند المغاربة. الزيارات والتناول الإعلامي والتقارير كلها كانت تفيد بأن المنطقة تسلك طريقا سريعا نحو التنمية حتى أضحت فعلا بوابة للقارة الإفريقية.
    يقدم المغرب على قدم المساواة لساكني المخيمات المهجرين فرصة للعيش الكريم في أرضهم إلى جانب باقي إخوانهم المغاربة، ويطرح أمامهم فرصة للتخلص من حياة مخيمات يراد لهم أن يبقوا أسرى فيها لاستعمالهم كورقة مدرة لمساعدات يتلاعب بها من يراكم الثروات من استمرار هذا النزاع.
    سيضطر المنتظم الدولي لتشكيل لجان تقصي حقائق بشأن مدى تمتع أهلنا في المخيمات المعنيين بهذا النزاع -وليس أعضاء الشبكات الإجرامية والإرهابية الذين يختبؤون فيها ويرون في استمرار النزاع شرطا لاستمرار نشاطهم- بالحرية لاختيار المكان الأفضل للعيش.
    بالمقاربة التنموية نجح محمد السادس في تحقيق طفرة تنموية لا تخطئها عين الزائر للمناطق الصحراوية. المستشفيات والطرق والمدارس والموانئ والمطارات والمرافق والقنصليات وجودتها والخدمات التي تقدمها تترك انطباعا لدى ساكنة المنطقة بالرضى، وتترك بالمقابل حالة حسرة لدى ساكنة المخيمات ومن أتيح له منهم مشاهدتها لأن جو الحصار المضروب عليهم وحملة الدعاية المضللة التي يتعرضون لها يوميا تحجب عن بعضهم هذه الحقائق، ولكنه حجب مؤقت ولا يمكنه أن يصمد أمام ما يفرض نفسه على الواقع.
    آخر ما أنجز هذا الأسبوع على مستوى الربط الجوي هو الخط الرابط بين الدار البيضاء ومدينة السمارة حيث سيتم تأمين رحلات منتظمة بتردد رحلتين في الأسبوع. لا يرى المراقبون في هذا الإنجاز مجرد ربط لرحلات بين المدينتين ولكنه مؤشر على إرادة دمج جنوب المغرب بشماله وتعزيز جاذبية المنطقة استثماريا وسياحيا، ولذلك فهو وسيلة فقط وسيكون له أثر في القريب العاجل كما كان الشأن مع مدن أخرى مثل العيون والداخلة التي أصبحت قبلة للاستثمار والسياحة والفعاليات.
    على هذا المستوى، نجح الملك في تغيير المعادلة بشكل ناعم ومتدرج وأقنع بمقاربته التنموية المنتظم الدولي بأن هذه الصحراء قطعة لا تتجزأ من هذا المغرب ويتعامل معها دون تمييز، إن لم نقل بنوع من الأفضلية حتى تكون في نفس المستوى التنموي مع باقي جهات المغرب، ونتذكر جميعا خطاب المسيرة لسنة 2014 الذي تحدث فيه الملك بلغة صريحة واعتُبر هذا التاريخ بمثابة لحظة مفصلية في المنطقة “لقد عرفت هذه المناطق العزيزة علينا، منذ استرجاعها، العديد من المنجزات في مختلف المجالات. غير أن الأوراش التي سنقدم عليها، إن شاء الله، خلال السنة المقبلة، تعتبر حاسمة، لمستقبل المنطقة. ويتعلق الأمر بتفعيل الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية”. في هذا الخطاب فند الملك ادعاءات استغلال ثروات المنطقة وأعطى رقما له أكثر من دلالة حين قال “فالكل يعرف الوضع الذي كانت عليه الصحراء، قبل 1975. ولمن لا يعرف الحقيقة، أو يريد تجاهلها، أقدم بعض المعطيات: فمنذ استرجاعها، مقابل كل درهم من مداخيل المنطقة، يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم، في إطار التضامن بين الجهات وبين أبناء الوطن الواحد”. ولهذا سيكون هذا المنجز التنموي اليوم أكبر حافز للمهجرين في المخيمات للعودة إلى وطنهم الأم ووضع حد للاغتراب القسري وحالة الحرمان التي هم عليها منذ عقود، وما على من يتحكم في مصيرهم سوى منحهم الحرية في ذلك وسيرى العالم النتيجة.
    الركن الثاني من المقاربة الملكية كان تقديم مبادرة واقعية مبنية على حل سياسي يحفظ ماء وجه الجميع وبديلة لمقترح الاستفتاء غير الواقعي والذي كاد تعثر تنزيله يعصف في أكثر من مناسبة باتفاق وقف إطلاق النار وإعادة النزاع إلى مربع الصفر. وقد تجلت هذه المبادرة في الحكم الذاتي وما واكبها من مفاوضات مانهاست التي بينت استعداد المغرب وانفتاحه وجديته في إيجاد حل سياسي واقعي لهذا النزاع. لم تتقدم المفاوضات ولم يقبل الطرف الآخر المبادرة ولكن سجل المغرب نقاطا لصالح مقاربته بتدرج كانت تتضح ملامحه في قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام وبعثة المينورسو سنة بعد سنة.
    رغم كل المناورات لتوسيع مهام المينورسو ومد مقترح الاستفتاء بجرعات لم يصمد الطرف الآخر أمام واقعية وجدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي، وها نحن بصدد خطوات عملية لتفيكك المينورسو التي صارت ميزانية تسييرها عبئا، وأول هذا الغيث قطرة، وبدايتها بتقليص الموظفين والمعدات ومجالات التدخل.
    الركن الثالث من المقاربة الملكية هو مد اليد للجارة الجزائر لأنها الطرف الأساسي -ولو أنها تتهرب من الاقرار بالأمر- ولأنها هي التي تتحكم في الجبهة الانفصالية وفي قراراتها من أجل مراجعة سياستها والتخلص من الإرث البومديني الذي لم يولد لدى الأجيال اللاحقة من ساستها سوى الحقد ضد المغرب.
    ظل الملك في كل خطاباته يمد اليد ويبدي الاستعداد ويتقدم بالمبادرات ودافعه في كل ذلك هو مراعاة حسن الجوار والرغبة في تقوية المغرب الكبير، ثم تنقية المنطقة من كل عوامل التوتر لأن هذه هي بوابة وحدتها واندماجها وتقويتها، ثم تهييء أجواء وضع حد لهذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لترفع الجارة يدها عن ساكنة المخيمات الذين تحتضنهم في أرضها وعجزت عن توفير شروط العيش الكريم لهم.
    يرى العالم كله اليوم أن هذه اليد الممدودة كانت تقابل دائما بتسميم الأجواء ورفع منسوب التوتر وإغلاق الحدود والأجواء وطرق طبول الحرب بدون سبب بهدف استفزاز المغرب ليرد بالمثل. ولأنها مقاربة واعية ومبنية على تشخيص دقيق وعميق للوضع ولطبيعة الحل، ولأن الملك سليل عائلة عريقة ويتمتع بحكمة وصبر بدون حدود فقد لاحظنا ثباتا في المقاربة الملكية وعدم انجرار إلى منزلق ردود الأفعال. كان الملك يعي أن يوما ما سيرى المنتظم الدولي بعينيه جهود كل طرف لوضع حد لهذا النزاع وتعنت الطرف الآخر.
    الركن الرابع لهذه المقاربة هو القرار التاريخي بالعودة للاتحاد الافريقي، وقد كانت خطوة ممزوجة بالتحليل العقلاني والمشاعر العاطفية، وكان الهدف منها استعادة المكانة القارية التي تليق بالمغرب الذي يساهم قبل هذه العودة بعقد من الزمن في مشاريع عملاقة ومهيكلة في العديد من أطرف القارة، ولذلك قوبلت العودة بترحيب شديد جسدته تصفيقات القاعة التي احتضنت الخطاب الملكي التاريخي في تلك الدورة المشهودة. حينها عبر الملك بكل جوارحه بأن هذه القارة هي بيته وقارته ومنزله المحبب وبأن افريقيا ضرورية للمغرب كما المغرب ضروري لافريقيا.
    لم يخف المغرب دائما أن وجود البوليساريو في الاتحاد الافريقي خطأ وأنه طال الزمن أو قصر سيغادر هذا الاتحاد. حينها استبعد كثيرون حصول هذا، واليوم يرونه رأي العين لأنه صار على الأبواب.
    وحتى لا يفهم من كل هذه المقاربة بأركانها الأربعة أن المغرب في موقف ضعف أو يستجدي حلا كان ربطها بالحسم والحزم بشأن كل خرق أو تجاوز في الميدان أو تطاول على سيادة المغرب. وقد تجسد هذا الحزم في أكثر من مناسبة لقن فيها المغرب دروسا في القوة واليقظة ضد الانفصاليين. ونتذكر جميعا واقعة الكركرات التي تأكد فيها للطرف الآخر أن المسار السياسي والدبلوماسي ونجاحاته يواكبهما تفوق عسكري وتحكم ميداني في كل حبة من رمال التراب الصحراوي. وتلك خدمة يسهر عليها من يصلون الليل بالنهار لتأمين الحدود.
    مخطئ من يرى في مبادرة الحكم الذاتي مجرد ورقة تضمنت مقترحات. فعلا هو مقترح متكامل راعى كل مقتضيات الشرعية الدولية وزاوج بشكل موفق بين مبدأي الحفاظ على وحدة الدول و ٱحترام ارادة الشعوب، وقدم خطوطا عريضة ومقترحات عامة تفتح الباب أمام تفاوض جدي وعلى أرضية صلبة، ولكن أهم ما دعمه هو إرادة ملكية جسدتها مشاريع ميدانية ومواقف ثابتة على مدار العقدين، ولذلك يتعامل معه المغرب بأنه مقترح جدي لأن المغرب لم يناور به ولم يستعمله لأغراض تكتيكية ولم يضعه أمام المساءلة في لحظات كان يمكنه أن يسحبه ويلجأ لسياسة الأمر الواقع كرد على استفزازات ومناورات ومؤامرات وخرق لاتفاق وقف إطلاق النار. هذه كانت دائما عنصر قوة المغرب.
    يزعج هذا التحليل بعض الطوابرية الذين يناصبون العداء ويكنون الحقد للملك والملكية ويريدون أن ينزعوا عنها أنها صانعة هذا المخطط وراعية هذه المقاربة وصاحبة الفضل فيما تحقق من خلالهما من انتصارات يشهد بها العالم كله. ولذلك فقد استيقظت خلاياهم النائمة هذه الأيام للتشويش والتضليل والتمويه والتنفيس على الجهات المتضررة من هذا الوضع الذي استقر منذ قرار 2797 على سيادة المغرب على صحرائه وعلى مبادرة الحكم الذاتي المغربية كأساس وقاعدة وأرضية لطي الملف.
    يزعج هؤلاء نسْب مبادرة الحكم الذاتي لمحمد السادس لأن في ذلك نسف لكل “حجاياتهم” عن الملك محمد السادس. النتائج والإنجازات في ملف الوحدة الترابية تؤكد أن الملك محمد السادس حقق إنجازا كبيرا وهو في الطريق لاقتلاع مسمار آخر من رجل المملكة كان يدميها ويعوق سيرها ويبطئ نموها ويعرقل مسيرتها. واليوم صار المغاربة على اقتناع تام بهذه الحقيقة.
    أشباه المحللين وأنصاف المثقفين والهامشيين والمعزولين عن الواقع في حالة شرود تام ولم تعد لهم قدرة على مواكبة السرعة التي يسير بها هذا الملف نحو نهايته، ولذلك فمنهم من لا زال غارقا في تسعينيات القرن الماضي منتشيا بنوستالجيات زمن الريع الذي كان يستفيد منه ومتناسيا أنه كان في هذا الملف مجرد “سخار” لمن يتبجح اليوم بأنهم كانوا من مصادره. اليوم صار الكل يعرف طبيعة تلك العلاقات والهدف منها والأولى لأمثال هؤلاء أن يستحيوا على ما ارتكبوه من أخطاء في حق المغرب والمغاربة. يثير حفيد الجامعي -ويا للأسف- الشفقة حين يغيب نعمة العقل التي حباه الله إياها ليرضي حقده الشخصي على الملكية وينكر أن قرار مجلس الأمن اعتراف دولي بمغربية الصحراء. يجب أن نلغي عقولنا ونستعمل نظارات هذا “الخفيف” الذي لا يرى في القرار ما يفرحه ويتعسف على كل الأخلاق التي يتبجح باحترامها ويربط هذا النصر بكونه على جثت الأطفال الفلسطينيين، ويتجاهل أنه هو من يحتفي بتلاميذ يحملون جنسية ما يسميه كيانا وينقلهم إلى المغرب ليكون له “مرشدا سياحيا” تحت غطاء دراسي.
    أمام الجزائر والبوليساريو فرصة العمر إن أرادا التخلص من الورطة والتخفف من عبء خسارة محققة وتغليب مصلحة الصحراويين؛ واستحضار عامل الوقت مفيد جدا في هذا الأمر، واستعداد المنتظم الدولي لتسوية هذا النزاع مناسبة كذلك للانخراط في مفاوضات جدية سيمهد لها المغرب بتحيين وتفصيل مقترح الحكم الذاتي.
    هي فرصة كذلك لهما للتخلص من حالة الارتباك التي يبدو أنه صار أقرب إلى الاستحالة الخروج منها. لن تنفع مع هذا القرار تلك القراءات السريالية التي لا سند لها في الواقع والمنطق والعقل لأنها لن تزيد نظام الجارة إلا ورطة أمام شعبها واستهجانا أمام المنتظم الدولي.
    سيكون من المفيد لهذا الطرف في النزاع أن يتفرغ لجبهته الداخلية الضعيفة وتحويل الاعتمادات المالية لتحسين الوضع المعيشي للشعب الذي يتفاقم بانتشار أمراض معدية في مدارسه، وتقوية موقعه الذي يجعله خاضعا للضغوط الخارجية التي تضطره لقبول ما ظل يرفضه، ويحسن علاقته مع دول لا يمكنه الاستغناء عنها وقد ربط علاقاته بها بهذا الملف الخاسر، والالتفات إلى سياساته التي لا تقوده إلا للفشل.
    لقد أحدث هذا القرار وضعا سيكون له أثر في المدى المنظور، وكل المعطيات تؤكد أن الساكنة في المخيمات استبشرت به لأنها ستتمكن أخيرا من الخروج من وضع مذل أجبرت عليه منذ عقود.
    يستعجل المنتظم الدولي بدء المفاوضات وعينه على كل ما يرتبط بها لأنه ضاق ذرعا بهذا النزاع ويريد التخلص من ثقله على إدارة ومالية وتفكير الأمم المتحدة التي يجب أن تتفرغ لما هو أهم. لذلك انتقل المغرب إلى الخطوة الموالية وبسرعة كبيرة لتحيين وتفصيل مبادرته للحكم الذاتي. والتشاور مع الأحزاب واستكتابها حول مقترحاتها خطوة مهمة نحو التشاركية لأن الدولة تنطلق في تدبيرها لهذا الملف على أنه قضية شعب وتهم كل المغاربة من مختلف مواقعهم.

    تحيين المقترح المغربي تحصيل حاصل لمواكبة التغييرات الدستورية التي أقرت جهوية متقدمة، والتفصيل فيه سيحقق مزيدا من الدعم للمغرب وسيجعل رفضه من قبل أي طرف رسالة سلبية للمنتظم الدولي ورغبة في إدامة النزاع بدون فائدة.
    الأحزاب من جهتها مطالبة بمسايرة هذه الدينامية، وتأهيل أعضائها، وتوسيع دائرة تأطيرها، وتقديم مقترحاتها. تعلم الأحزاب أن هذه السنة سنة اختبار لقدرتها على ولوج هذا المغرب الجديد الذي قال فيه الملك بأن مغرب نهاية أكتوبر ليس هو مغرب ما قبلها. هناك الاستحقاقات الانتخابية وهناك مبادرة الحكم الذاتي على ضوء القرار الذي اعترف للمغرب بسيادته على الصحراء وما يستتبعه من تغييرات في هيكلية الدولة يجب على الأحزاب أن تكون في مستواها.
    المغرب من جهته لا يفتأ يرسل الرسائل بأنه جاد في انخراطه من أجل طي هذا النزاع، ولذلك شرع في التفصيل في مقترحه ومنفتح على مفاوضات جدية على ضوء القرار الأممي الذي يشكل إطار وسقف والخطوط الحمراء لهذه المفاوضات.
    القضايا السيادية للمغرب معروفة ومسطرة في مبادرة 2007، ودونها قضايا كثيرة هي محل تفاوض والمغرب منفتح فيها ويستحضر بالأساس الساكنة ومصلحتها ووجوب التسريع بوضع حد لمعاناة المهجرين خارج المغرب والتحاقهم بأهلهم في مغربهم الذي حالت بينهم وبينه ظروف وملابسات لم تعد قائمة، ثم يستحضر المنطقة ومصلحتها، ثم تخفيف المنتظم الدولي من حمل هم نزاع يشغله عن توجيه جهوده وإمكانياته لنزاعات أخطر.
    توشيح آخر ينضاف لقائمة الأوسمة التي يحصدها عبد اللطيف حموشي الذي لا تعني له هذه التوشيحات إلا شهادة على نجاحه واعترافا بما يقدمه من خدمات وتعزيزا لمكانة المغرب في الساحة الدولية التي أصبح فيها شريكا مرغوبا للتعاون في كل ما يتصل بمكافحة الجريمة والتصدي للمخاطر الإرهابية وحفظ الأمن. ولعل ما حدث هذا الأسبوع من استقبال حموشي لسفيرة الصين مثال حي على هذه الجاذبية التي أصبحت للمغرب في كل ما يتصل بالعمل الأمني. زيارة سفيرة الصين لحموشي تجسيد آخر لرغبة مشتركة لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين، وتنسيق الجهود المبذولة في العديد من القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، وهي عنوان لما تقوم به المؤسسة الأمنية من خدمة لكل مؤسسات الدولة لتقوية علاقاتها مع نظيراتها في العالم كله. صار الأمن رافعة تنموية ودبلوماسية مهمة للمغرب، والفضل في ذلك يرجع للإنجازات التي حققتها هذه المؤسسة في ظل إدارة حموشي الذي يبين في كل مناسبة أنه قادر على تحديث وتأهيل هذه المؤسسة وفق التوجهات الحديثة التي يريدها الملك للأمن بالمغرب.
    توشيح حموشي بالقلادة الكبرى من وسام الاستحقاق للحرس المدني الاسباني الذي يعد أرفع وأسمى وسام يمنح للشخصيات الأجنبية حدث ذو دلالات كثيرة. دلالاته أنه توشيح من وزير الداخلية الإسباني، وفي حفل بمدريد، وهو ما يفيد بأن كل الترهات التي حاولت الزج بالمغرب في فرية التنصت ببيغاسوس كانت مجرد مزاعم باطلة ولا أساس لها من الصحة.
    لقد تخلل حفل التوشيح اعترافا إسبانيا -عبر وزير داخليتها- بالدور الذي يقوم به حموشي لتقوية التعاون الأمني الثنائي بين البلدين، والمجهود الذي يبذله لتطوير وتحديث مصالح الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني. وزير الداخلية صاحب هذا التصريح هو فرناندو غراندي مارلاسكا الذي سبق وتم تداول اسمه كأحد ضحايا التنصت على هاتفه ببرمجية بيغاسوس إلى جانب رئيس الوزراء ووزيرة الدفاع. أليس في هذا التوشيح ومن طرف شخصية بهذه المواصفات تبرئة للمغرب؟ أليست هذه ضربة قاصمة لكاريون وعبد الحق المسموم والملاوط وغيرهم الذين اجتروا أسطوانة تجسس المغرب على اسبانيا؟ أليست مثل هذه المناسبات مؤشرات على نهاية الطوابرية؟
    من المهم جدا هذه الثقة المتبادلة بين البلدين فيما يستقبلان من استحقاقات، وفي مقدمتها كأس العالم القادمة، ومن المفيد هذا التعاون لما يحققه من تأمين للقارتين، والتوشيح لحظة اعتراف بهذين الأمرين، ومناسبة لإعطاء هذا الرجل بعضا مما يستحقه ويشهد له بما يقدمه لأنه اختار دوما الصمت والعمل ولذلك صارت التوشيحات والأوسمة نوعا من الكلام الصامت الذي يعترف له أمام العالم بما يقوم به لحفظ الأمن. أما في المغرب فالرضى الملكي والاحتضان الشعبي وثقة كل مؤسسات الدولة فيما يقوم به من عمل أوسمة لا تقدر بثمن.
    كلما تقوت علاقات الثقة والتعاون مع الجارة الإسبانية إلا وثارت ثائرة بعضهم ممن ألفوا الاصطياد في الماء العكر لخدمة مصالح الغير على حساب البلد الذي يحملون جنسيته الإسبانية. الأولى لهؤلاء الاعتراف بأنهم خسروا المعركة ضد المغرب، والأولى لمن ظلت الشائعات مصدر تغذيتهم الاعتراف بأخطائهم فحموشي يتجول في عواصم كل قارات العالم التي يرى جدوى من زيارتها ومكاسب للمغرب دون أدنى عراقيل، وهو مرحب به دائما لأنه عنوان للنجاح والاستفادة من خبراته مطلب للجميع، ولأنه يمثل دولة تحظى بالتقدير والاحترام والمصداقية في العالم كله. ومن سوء طالع الطوابرية أن تأتي الشهادة الثالثة في أسبوع واحد من فرنسا، وعلى لسان نيكولا ليرنر -الذي يشغل منصب المدير العام للمديرية العامة للأمن الخارجي DGSE- من خلال منبر فرنسي “لوفيغارو” وبمناسبة ذكرى الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها باريس في 13 نونبر من عام 2015.
    عبر نيكولا ليرنر عن إشادته بالشراكة والتعاون الفعال مع الأجهزة الأمنية المغربية في مواجهة التهديدات الإرهابية، وخاصة في رصد تحركات بعض الجهاديين في منطقة شمال إفريقيا الناطقين بالفرنسية للانضمام إلى الجماعات الإرهابية في إفريقيا، وأكد على أن التعاون مع الأجهزة الأمنية المغربية ليس مجرد شراكة عابرة، بل هو عنصر أساسي لضمان فعالية العمليات الأمنية.
    هذه إشادة أخرى واعتراف آخر بريادة المغرب في مجال مكافحة الإرهاب وتعاونه مع كل من يواجه هذا الخطر وشهادة بكفاءة الموارد البشرية المغربية وخبرة حموشي في هذه الواجهة التي صارت أهم مؤشر لقياس كفاءة المؤسسات الاستخباراتية لأنها بدورها الاستباقي تقي المجتمع من كوارث كبيرة وانتكاسات تكسر قوة الدول.
    ومن سوء طالع الطوابرية مرة أخرى أن مثل هذه الشهادات تضرب كليا كل الاتهامات الباطلة لتجسس المغرب على مسؤولين فرنسيين وتؤكد بالمقابل أنه يتصرف بمنطق الدولة التي لا ترد بالمثل، بل تتصرف بحكمة وتستحضر مصالح الشعوب وأمنها واستقرار الدول.
    هذا تصريح آخر ممن خبر العمل الأمني الداخلي والخارجي -لأنه قبل تقلده رئاسة المخابرات شغل منصب المدير العام للأمن الداخلي DGSI من 2018 إلى 2024- وحين تحدث في حواره عن الخطر الإرهابي بالساحة الإفريقية وركز على منطقة الساحل فإنه يؤكد كل المخاوف التي يستحضرها المغرب في مبادرته الأطلسية التي سيكون لها عائد تنموي على المنطقة برمتها ومن شأنها أن تحد من الهجرة غير النظامية ومن استغلال الجماعات الإرهابية للتوترات بالمنطقة من أجل الاستقطاب وتكثيف نشاطها.
    لا يمكن أن أختم هذا البوح دون الإشارة إلى “الزيديين:Z” وشيوخهم الذين ما يزالون يكابرون وينكرون الواقع ولا يريدون الاعتراف بأخطائهم التي تدفع عائلات وشباب ثمنها بينما هم منشغلون بالركوب على آلامهم.

    بوبكر الخفة “اللي ما عاجبو حد” يتحسر على فشل “الثورة الزيدية” التي تحمس لها ولأصحابها من ذوي الهويات الرقمية حين حل ضيفا عليهم وهو لا يدري من يحاور ومع من يتحدث، بوبكر الذي يدخل ويخرج من وإلى المغرب بحرية هو نفسه الذي يتحمس للثورة ويحمس الشباب عليها ويريد بتعسف فاضح أن يجعل الملكية هي مشكلة المغرب بسبب عقدة نفسية تلازمه من صغره ولن تحلها جلسات الاسترخاء النفسي في تيكتوك مع الشيخ المتصابي لأن عليه زيارة معالج والتوفر على إرادة العلاج من تلك العقدة. بوبكر الذي يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن الدولة الإبادية هو الذي يحتفي بتلاميذ منها ويرافقهم للمغرب ليقوم بدور “الفوكيد faux guide”. بوبكر هذا هو الذي يحمل خيبة الأمل ويريد أن يلصقها في الأجهزة الأمنية التي يتحدث دون استحياء عن “بنعلتها” بعد 2011 ويتهمها بالتعذيب مرتكزا على إشاعات غير مسنودة بأدلة حقيقية. بوبكر الذي تجاوز كل الحدود ووصف النظام بأنه “ما مربيش” ومارق يؤكد أنه إنسان “نزق”، ويريد كما هي عادته قول “أنا اللي كنفهم”. هذه هي هلوسات بوبكر الذي لن ينضج أبدا وما يزال في تسعينيات القرن الماضي رغم أنه على مشارف الستين و الخرف الكلي.
    يؤكد بوبكر بهذه “الخفة” أنه يخدم أجندة لا هم لأصحابها إلا ضرب مقومات الدولة المغربية، وفي مقدمتها الملكية والسلطة القضائية و باقي آليات السيادة. قلتها في بوح سابق بأن إكرام الميت دفنه، والتحلي بقسط من الإنسانية يلزم أصحاب الهويات الرقمية المجهولة مراعاة ضحاياهم المتورطين في جرائم لا يمكن تسييسها أو اعتبارها عملا حقوقيا لأن الفصل فيها لن يكون إلا أمام القضاء ووفق القانون ولن ينفع مع هذه السلطة تهييج أو تضليل أو ضغط أو تزوير الحقائق.
    موعدنا بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    أبو وائل: مقابل كل درهم من مداخيل المنطقة يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم