أوزين .. حين يعظنا “الفراقشي السياسي” ‪!‬

أوزين .. حين يعظنا “الفراقشي السياسي” ‪!‬

A- A+
  •                                                                                                  أوزين .. حين يعظنا “الفراقشي السياسي” ‪!‬  

    محمد أبو مجد / صحافي مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية‬

    حين خرج محمد أوزين من تحت قبة البرلمان ليشن هجوما أخلاقيا على “شوف تيفي” وعلى الإعلام عموما، بدا المشهد كأنه مفارقة مغربية خالصة : رجل غادر الوزارة بفضيحة مدوية يعود اليوم ليعطينا دروسا في القيم، ويوزع صكوك الطهارة السياسية والإعلامية، وينصب نفسه قاضيا على المحتوى وعلى المجتمع.
    لنضع العاطفة جانبا ونعد إلى الوقائع. محمد أوزين ليس وجها طارئا على الدولة ولا على السلطة. هو وزير سابق خرج من الحكومة عقب فضيحة “الكراطة” الشهيرة، حين تحول مركب الأمير مولاي عبد الله ‪،‬الذي ابتلع مليارات من المال العام، إلى مستنقع أمام أنظار العالم خلال كأس العالم للأندية. لم تكن إشاعة، ولا حملة يوتيوب، ولا “فراقشية” إعلام. كان بلاغا رسميا للديوان الملكي، وتقريرا أنجزته وزارتا الداخلية والمالية، أثبت المسؤولية السياسية والإدارية المباشرة للوزارة التي كان أوزين على رأسها، إضافة إلى مسؤولية المقاولة. تلك لحظة سقوط موثقة، لا تقبل إعادة الماكياج.
    المثير هنا، أن أوزين يستعمل نفس “كراطة” الأمس كطوق نجاة اليوم .. فحين وقف محمد أوزين أمام رئيس الحكومة بمجلس النواب معلنا أننا نحتاج إلى “الكراطة” لكي “نكرّطو صحافة التفاهة”، بدا المشهد أقرب إلى الكوميديا السوداء منه إلى السياسة. الرجل الذي ارتبط اسمه في الذاكرة الجماعية بـ“الكراطة” كرمز لفشل تدبيري أنهى مساره الوزاري، يعود اليوم ليشهرها كأداة تطهير أخلاقي. في أي بلد يحترم ذاكرته، لا يتحول رمز السقوط إلى شعار بطولة، ولا يصبح من غادر الحكومة ببلاغ رسمي قاس حارسا للقيم العامة.
    ومع ذلك، يعود أوزين اليوم، لا باعتذار ولا بمراجعة ذاتية، بل بخطاب هجومي يتحدث عن المال العام والقيم و”تمغرابيت”، ويسمي خصومه الإعلاميين بـ “الفراقشية”. السؤال البديهي هنا هو : بأي شرعية أخلاقية؟ وبأي ذاكرة؟ وهل المطلوب أن ننسى أن من يرفع العصا الأخلاقية اليوم هو نفسه من غادر المشهد التنفيذي بسبب اختلالات جسيمة في تدبير المال العام؟
    فلنقلها صراحة. هذه الحملة على “شوف تيفي” لا تقرأ خارج سياقها السياسي. أوزين يعرف جيدا أن الاشتباك مع منصة جماهيرية مثيرة للجدل يضمن له الصدى، وأن رفع السقف الأخلاقي يمنحه صورة “المعارض الجريء”. إنها عملية استثمار محسوبة .. ضجيج بدل مشروع، وخطابة بدل حصيلة. من لا يملك إنجازا، يخلق عدوا، ومن لا يملك برنامجا واضحا، يبحث عن “الشو”.
    ومن منظور المقارنة، يكفي النظر إلى النموذج الأميركي لفهم الخلل. هنا في الولايات المتحدة، لا يتدخل السياسي في المحتوى الإعلامي، مهما كان صادما أو مستفزا. القانون وحده يحكم، والقضاء وحده يفصل، والجمهور يحاسب. لا يخرج نائب ليحدد ما هو أخلاقي وما هو غير ذلك، ولا يتحول البرلمان إلى منصة لتأديب الصحافة. أما عندنا هناك في المغرب، فيظهر “الفراقشي السياسي” ملوحا ب “كراطته السحرية” .. سياسي بلا حصيلة، يعوض العجز بالضجيج، ويتقمص دور الواعظ الأخلاقي كلما اقتربت الانتخابات.
    وسواء اتفقنا مع خط “شوف تيفي” أو اختلفنا معها، فمن حقها أن تختار مسارها التحريري دون وصاية سياسية أو أخلاقية مفروضة من فوق. يحاسب الإعلام بالقانون إن خالفه، وبالجمهور إن أساء التقدير. أما تحويل النقاش إلى محاكمة شعبوية تحت قبة البرلمان، فليس دفاعا عن القيم، بل انزلاق نحو رقابة مقنعة.
    محمد أوزين يعرفه الجميع جيدا. رجل يقتات على اللحظات المناسبة، ويجيد اقتناص الفرص حين يلوح له منسوب الضوء. هذه الحرب المفتوحة التي يخوضها اليوم ضد “شوف تيفي” ليست معركة قيم ولا صحوة ضمير، بل استثمار سياسي محسوب ومحبوك.
    أوزين جرب السلطة وأحب نخوتها وسقط منها بفضيحة، ثم جرب العودة عبر المعارضة الصاخبة. وحتى حين وصل إلى الأمانة العامة لحزب “السنبلة”، لم يحظ بما كان ينتظره من إشارات سياسية أو رمزية. لم يستقبل في القصر الملكي، ولم يُتعامل معه باعتباره رجل المرحلة. وهذا في السياسة ليس تفصيلا.
    لذلك، فإن كل هذا التصعيد، وكل هذا الخطاب الأخلاقي المرتفع، ليس إلا محاولة لتعويض نقص الشرعية السياسية بشرعية ضجيجية. أوزين لا يحارب “شوف تيفي” لأنها خطر على القيم كما يدعي، بل لأنها منصة مثالية لبناء صورة بطل وهمي.
    في النهاية، الفرق بين الإصلاح الحقيقي وتلميع الصورة هو الفرق بين من يواجه ماضيه، ومن يهرب منه إلى معارك جانبية. ومحمد أوزين، حتى الآن، يختار الهروب.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    “باير المغرب” تخلد الذكرى العشرين لمصنع الدار البيضاء وتعلن عن خطة توسع كبرى