عشر سنوات بعد “مول الكراطة”… الملاعب المغربية تثبت جاهزيتها في كأس إفريقيا
منذ 2015، ظل مشهد “مول الكراطة” حاضرًا في ذاكرة جماهير الكرة المغربية، حين تحولت أرضية ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط إلى بركة مائية واضطر أحد العمال إلى جر مياه الأمطار بوسائل بدائية، في واقعة تحولت إلى فضيحة إعلامية وأثارت نقاشًا واسعًا حول سوء تدبير المنشآت الرياضية وربط المسؤولية بالمحاسبة، خصوصًا بعد كشف التحقيقات الرسمية اختلالات خلال إحدى مباريات كأس العالم للأندية، ما دفع الملك محمد السادس إلى إعفاء محمد أوزين من مهامه كوزير للشباب والرياضة.
ومع انطلاق كأس إفريقيا للأمم، عاد شبح تلك الذكرى، خاصة مع التساقطات المطرية الغزيرة التي رافقت حفل الافتتاح بمدينة الرباط وسط حضور جماهيري كبير، ومخاوف الجماهير من تكرار سيناريو الأمطار، لا سيما بعد إيقاف مباراة السعودية والإمارات في كأس العرب بقطر بسبب غرق أرضية الملعب. لكن الملاعب المغربية، مثل ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، ابن بطوطة بطنجة، فاس الكبير، أدرار بأكادير، ومراكش الكبير، أثبتت قدرتها على الصمود أمام الأمطار، ما أكّد جاهزية المغرب لتنظيم المباريات في ظروف طبيعية وتجاوز أخطاء الماضي.
غير أن الواقع جاء مغايرًا تمامًا لما عاشته الكرة المغربية قبل سنوات، إذ أظهرت أرضيات هذه الملاعب قدرة عالية على الصمود أمام كميات مهمة من مياه الأمطار، ما سمح بإجراء المباريات في ظروف طبيعية، وسط حضور جماهيري لافت ملأ المدرجات، وأكد نجاح الرهان التنظيمي خلال الأيام الأولى من المنافسة.
ويعود هذا الصمود إلى تقنيات الصيانة الحديثة التي تم تعميمها على مختلف الملاعب المستضيفة، والتي لم تعد تقتصر على الجانب الجمالي للعشب، بل أصبحت تقوم على ضمان الأداء التقني للأرضية، وتحمل الضغط الكبير الناتج عن توالي المباريات، ومقاومة التغيرات المناخية المفاجئة.
وتعتمد أرضيات الملاعب الكبرى، وعلى رأسها ملعب الأمير مولاي عبد الله، على عشب هجين يجمع بين الطبيعي والاصطناعي. ووفق معطيات الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية “سونارجيس”، فإن صيانة العشب تتم بشكل متواصل طيلة السنة، مع تغيير نوعيته حسب الفصول، حيث يتم خلال الأشهر الباردة اعتماد عشب “ري غراس” المعروف عربياً بـ“الزوان المعمر”، بينما يتم في الفترات الحارة الاعتماد على عشب “برمودا” أو “الثيل”.
ولا تقتصر جودة الأرضيات على العشب الظاهر فقط، بل تقوم على بنية تحتية تقنية متكاملة، تتكون من عدة طبقات دقيقة، تشمل طبقة الدعم، وأنظمة التصريف، وطبقة رملية، ثم طبقة النمو، وكلها مصممة وفق معايير دولية صارمة.
كما تم تجهيز الملاعب بنظام متطور لعزل وتصريف المياه، يعتمد على طبقات من الرمل والحصى وأغشية خاصة تمنع تسرب المياه إلى باطن الأرض، وتوجهها نحو أنابيب تصريف ضخمة. ويُعرف هذا النظام بـ“التصريف القسري”، حيث يتم استعمال مضخات قوية لطرد المياه الزائدة بسرعة، خصوصًا خلال فترات الأمطار الغزيرة.
وفي إطار ترشيد استهلاك الموارد المائية، تتوفر ملاعب الرباط، طنجة، فاس، أكادير، ومراكش على أنظمة لإعادة تدوير مياه الأمطار، يتم من خلالها جمعها في خزانات تحت الأرض، ومعالجتها، ثم إعادة استخدامها في سقي العشب، إلى جانب اعتماد أنظمة ري ذكية، وحلول تقنية متقدمة للتحكم في الرطوبة والتهوية وتحفيز نمو العشب.
وبين ذاكرة 2015 المثقلة بالانتقادات، وصور الافتتاح المليئة بالجماهير رغم الأمطار، ونجاح المباريات في ملاعب مولاي عبد الله، طنجة، فاس، أدرار، ومراكش خلال الأيام الأولى من البطولة، تؤكد كأس إفريقيا للأمم أن المغرب دخل مرحلة جديدة في تدبير بنيته التحتية الرياضية، قوامها الجاهزية التقنية، والتدبير المحكم، والقدرة على تجاوز أخطاء الماضي، بما يليق بحجم الرهانات القارية والدولية.
المصدر: شوف تي في