بوح الأحد:المغرب يشجب العدوان على الدوحة، الزفزافي في طريق القطع مع الإنفصاليين
بوح الأحد : المغرب يشجب العدوان على الدوحة، الزفزافي في طريق القطع مع الإنفصاليين و تجار الزطلة، منطق حلبة القفز على الحواجز ضد الدستور يسائل صاحب حوار الكونفيدونسيل وأشياء أخرى …
أبو وائل الريفي
تعرضت دولة قطر لضربة إسرائيلية لعرقلة جهودها في الوساطة وإحراجها أمام القطريين والعالم ولثنيها عن الاستمرار في دور الوساطة مما يؤكد عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية في وضع حد لهذه الحرب الظالمة ضد غزة والتي أسفرت حتى الآن عن عشرات الآلاف من الموتى ودمار كامل لقطاع غزة.
قصف قطر جريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة، وهو انتهاك لسيادة دولة، ويضيف لسجل الجرائم الإسرائيلية جريمة جديدة تبين أن حكومتها لا تجنح للسلام وتتغذى من استمرار الحرب ولا تبالي بكل الشرعة الدولية التي يحتكم إليها المنتظم الدولي.
تزداد فداحة هذه الجريمة لكون قطر تقوم بدور الوساطة، ولذلك فاحتضان كل الأطراف وسيلتها الأولى لإنجاح هذه المهمة وتأمينُهم مسؤوليتَها، واحترام كل الأطراف لهذه الوساطة يفرض عليهم الالتزام بمقتضياتها، وهو ما لم تحترمه إسرائيل ولم تساعد في تهييء شروط تفاوض يمكن أن تخلص إلى إنهاء هذه الحرب التي تمثل سبة في وجه المنتظم الدولي بكل دوله ومنظماته وأناسه.
لا يمكن قبول كل التبريرات الإسرائيلية التي تميز بين الوفد المفاوض واجتماع قيادة حماس، أو تقديم هذه الجريمة كرد فعل على عملية القدس، أو غير ذلك من التبريرات التي تؤكد القصد المسبق لنسف كل محاولات وقف الحرب التي طالت ولا يدفع ثمنها إلا الشعب الفلسطيني الأعزل من كل ما يساعده حتى يدافع به عن نفسه.
تعلن إسرائيل بهذا الخيار أنها تريد استمرار الحرب على غزة وترفض كل الوساطات وتراهن على استسلام لحماس وغيرها من الفصائل وهو رهان أقرب للاستحالة، وتعزل بذلك نفسها عن توجه عالمي مناهض لهذه الحرب التي دمرت أرضا وجوعت شعبا ومزقت أوصال بلد فلسطين، وتمعن في جرائمها بتوسيع الاستيطان واستهداف الضفة الغربية وتهويد القدس وتغيير معالمها ضدا في كل القرارات الأممية.
مرة أخرى يؤكد المغرب أن موقفه ثابت من القضية الفلسطينية، وأنه لم يوقع شيكا على بياض لما استأنف علاقاته، وبيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج كان واضحا وحاسما وعكس موقف المملكة من هذا الاعتداء وهي تعبر عن “إدانتها القوية للاعتداء الإسرائيلي السافر واستنكارها الشديد لانتهاك سيادة دولة قطر الشقيقة”، و”تؤكد تضامنها التام مع دولة قطر إزاء كل ما من شأنه أن يمس أمنها وسلامة أراضيها وطمأنينة مواطنيها والمقيمين بها”. ولنركز على عبارة “المقيمين بها” لأن القانون الدولي صنع لحماية المقيمين في أي دولة ذات سيادة ووضع بالمقابل ترسانة من النصوص الكفيلة بوضع حد لأي انتهاك بهذا الخصوص.
يحسب للمغرب قدرته على تمييز تعامله ومواقفه تجاه أي دولة حسب الظرفية والموضوع، وهذه رسالة للمشرد الذي لم تتسع حويصلته بعد للتمييز، إن لم نقل بأنه يتعمد الخلط ظنا منه أن ذلك قد ينطلي على المغاربة وهو لا يعلم أن ما يقترفه على حائطه لا يقنع حتى أصدقاءه ممن ما يزال يتابعه والذين صاروا يفهمون أنه فقد البوصلة وأصبح عبئا وصار حالة مرضية مستعصية على الفهم والعلاج معا.
تعامل المغرب مع القضية الفلسطينية وضع جلالة الملك خارطة طريقه بوضوح وتفعل بنودها الدبلوماسية المغربية بصرامة وانسيابية لأنها محط إجماع وطني. والموقف المغربي من الجرائم الإسرائيلية كان دائما واضحا، والانحياز المغربي للحق الفلسطيني من ثوابت الدبلوماسية المغربية، وجهود المغرب لإنجاح العملية السلمية لن تتوقف ولن تتأثر بسبب حكومة لا تضع السلام ضمن أولوياتها. لطالما كرر المغرب في كل المناسبات أن الحرب وإدامة التوتر سينعكس على المنطقة كلها بالسوء وأن دور كل المنتظم الدولي يلزم أن يعطي أولوية لإعادة المفاوضات إلى سكتها الصحيحة حتى لا تتسع بقعة المتضررين من هذه الحرب الهمجية التي يدفع الشعب الفلسطيني ضريبتها.
حج المغاربة نهاية الأسبوع بالآلاف إلى المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله ليتابعوا لحظة احتفالية تبين الجدارة والقدرة التي عند المغاربة وإصرارهم على ربح رهان الاستحقاقات القادمة. التأهل المبكر كان مضمونا، وأصبح مكتسبا، لأن الريادة الكروية المغربية لم تعد موضع شك؛ وكسب ورقة التأهل للمونديال القادم صارت في المتناول قبل نهاية التصفيات، ومع ذلك أجريت المباراة بشبابيك مغلقة بعد نفاذ كل التذاكر، وتابع أطوارها الملايين على شاشات التلفزة. الأمر كان أكبر من مجرد مباراة، بل كان تدشينا لملعب رأى فيه المغاربة تحفة فنية بمواصفات عالمية دون أن ينسى الاصطباغ بلمسة مغربية، ولم يرد الكل تفويت هذه الفرصة التي توضح حرص المغاربة على الاحتفال الجماعي بالانتصارات وربح التحديات.
تزين الملعب بالأعلام المغربية والأناشيد الوطنية وحضور عائلات بكامل أفرادها بما يؤكد أنها فرحة شعب.
ضمن المغرب التأهل المونديالي، وهو الآن يطل على تصنيف دولي يضعه في أقرب وقت ضمن العشر الأوائل في العالم TOP10 ، وهو تصنيف لا يمكن للصدفة أن توصل إليه، بل هي ثمار سياسة كروية وضعت معالم مخططها بعناية وإشراف ملكي ويتم تنزيلها بنجاعة وتتشارك في ذلك كل المكونات المعنية به.
من تابع تلك المباراة يخرج بانطباع أن الجمهور المغربي عاشق للكرة ويمارس عشقه برقي وأناقة يجب تثبيتها في بطولة الكان وترسيخها في كأس العالم لأن هذه ستكون بصمة مغربية في تاريخ المونديال تسوق للبلاد أكثر من أي حملة إشهارية مهما بلغ الإنفاق عليها.
لم يغب التأمين الكامل والناجح للمباراة، بل شهدت لحظات ما قبل الانطلاق حضور حموشي للميدان للوقوف على أدق التفاصيل لأنه يعلم أنها أكبر من مباراة كرة بل هي صورة المغرب أمام العالم. لم يترك حموشي وفريقه أي شيء للصدفة وأثبتوا أن تأمين مباريات بشبابيك مغلقة مقدور عليه وفي المتناول، وتجوله في الملعب بتلقائية وسط تلك الجماهير يؤكد ما قلناه في أكثر من مناسبة عن العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمغاربة. هي حالة احتضان شعبي لهذه المؤسسة ورجالها ونسائها ودرجة عالية من الإحساس الشعبي بوجوب المساهمة في ترسيخ الأمن التشاركي الذي يساهم فيه المواطنون كل من موقعه بما يتاح له لإنجاح المشهد الذي جعل من تلك المباراة لوحة فنية أخرى قدم فيها المغاربة وجها مشرقا ومشرفا لحضارة عريقة لهذا المغرب.
لم يكن غريبا أن يصيب هذا المشهد بعض الحاقدين الذين يسعون لتبخيس كل عمل ثمين. كعادتهم أرادوا تسويق الريادة الكروية شيئا ثانويا متجاهلين أن كرة القدم، والرياضة عموما، لم تعد مجرد ترفيه أو لعبة، بل أصبحت عنصرا من عناصر قوة كل دولة ورافدا من روافد تقدم اقتصادها ونجاح تنميتها وتأمين مستقبل أجيالها.
أصبح مألوفا أسلوب تبخيس المنجز المغربي من طرف فئات ترى في أي نجاح تقويضا لفرص استمرارها في بث سمومها وتقليصا لمساحات “تنوعيرها”.
ظن بعض الحاقدين أن مناسبة حدث زلزال الحوز فرصة مواتية لتحقيق حلمهم في تحقيق “ريمونتادا” تعيدهم إلى الواجهة وتمنحهم قسطا من المصداقية عند المغاربة. قفز هؤلاء على كل الحقائق وأباحوا لأنفسهم تجاهل طريقة تعامل السلطات مع ضحايا الزلزال ليمارسوا تضليلهم المعهود والذي لا يمكن تصنيفه إلا ضمن المكر السيء الذي يحيق بصناعه، ومع ذلك كانوا مضطرين للكذب وترويج صور قديمة أو مفبركة لخدمة أجندتهم التي لا هم لها سوى تصوير مأساة ضحايا الزلزال وكأنها لم ينجز فيها شيء للتعافي منها.
مرور سنتين على تلك الفاجعة مناسبة للترحم على ضحاياها الذين نحتسبهم شهداء عند الله، ومناسبة لاستعادة ذكرى الملحمة الشعبية الواسعة من مختلف جهات المغرب للتخفيف من آلام الزلزال على المتضررين منه، وقد قدم فيها المغاربة دليلا على تماسكهم كأمة وتفاعلهم كوطن واحد وموحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بتقديم العون والدعم بإيثار يعز أن يتوفر إلا في أمم يجمع بين نسيجها أواصر قوية. هي كذلك فرصة لتذكير الجاهلين، بحسن أو سوء نية، بأن مقاربة السلطات لإعادة الإعمار وتعويض المتضررين كانت صيغة واضحة تمثلت في تقديم كلفة إعادة بناء المسكن مباشرة للمتضررين ويتكلفون هم بهذه العملية، ولذلك كان الإنجاز متفاوتا من متضرر إلى آخر حسب مدة الإنجاز أو طبيعته.
يمكن أن تحاسب السلطات على توفير المواد الأولية لإعادة البناء أو اليد العاملة أو عرقلة التراخيص اللازمة، وهي كلها لم يسجل فيها تقصير كما توضح كل الشهادات من عين المكان، وتساءل السلطات على تقصيرها في تشييد الطرق والممرات في الأماكن التي أعيد بناء مساكنها وهو أمر لم يسجل فيه أي ملاحظات من الساكنة، أما غير ذلك فلا يمكن إلصاق أي تأخير بالسلطات إلا إن كانت هناك أدلة.
لقد تفاعلت السلطات مع الزلزال في حينه، وعقدت اجتماعات وسطرت برامج ورصدت ميزانيات وشرع في أوراش الإيواء وتقديم الخدمات وتأمين التمدرس، والأشغال تتقدم رغم صعوبة المنطقة. وقد تم التعامل مع مشروع إعادة الإعمار كفرصة لتأهيل المنطقة حتى لا تبقى في حالة عزلة، سواء من حيث شكل البناء أو البنية الطرقية أو توفير المرافق الأساسية دون المساس بطابعها الجبلي وإرثها التاريخي.
لقد بينت هذه المناسبة مرة أخرى حالة الحسرة التي أصابت عدلاوة بعد فشلهم في استغلال تلك الفاجعة لإنعاش طائفتهم واسترجاع بعض من رصيدهم تجاه مريديهم والركوب على الحدث لتسويق إنجاز اجتماعي على غرار تجارب الإخوان في مصر وغيرها الذين كانوا يستغلون مثل هذه الفواجع لتوسيع انتشارهم بالخدمات التي يقدمونها، وهو ما لم يتمكنوا منه في المغرب لأن السلطات سبقتهم إلى ذلك.
سرعة تفاعل السلطات وحضورها في الميدان وتأمينها لمختلف الخدمات الأساسية لم يترك لعدلاوة فرصة، وهم يجترون المرارة منذ سنتين وينتظرون تصريف حقدهم، وكالعادة سلطوا غلامهم البراح الذي يبحث عن “تبريد” ما يتقاضاه من تعويضات تقتطع من جيوب الأتباع بدون علمهم. وما يزال التحدي مرفوعا على البراح أن يوضح مصدر عيشه ولا يمتلك الشجاعة رغم أنه يطالب الدولة بالشفافية.
أليس من العيب على من يدعي الفضيلة و”ينشد” الإحسان ويزايد ب”العدل” أن يستعين بصور قديمة ويمارس التدليس على الرأي العام؟ أليس هناك حكماء وسط جماعته لاستنكار هذه الأساليب التي لا صلة لها بالإسلام والأخلاق والمروءة؟ ألم يستحي الفاشل في كل شيء من نفسه؟ ألا يمكن إضافة افتراءاته إلى سيل الأدلة التي تؤكد أنه فاشل في كل شيء بما في ذلك صناعة كذب يمكن أن ينطلي على المغاربة؟
ولأن هواة الركوب على المآسي وتجار معاناة الناس ملة واحدة وينهلون من نفس المنبع القذر، شاهدنا هذا الأسبوع لونا آخر منهم تنكر فجأة للزفزافي الذي ظلوا ينفخون فيه ليصبح أسطورة وزعيما ومانديلا فإذا بهم مرة واحدة ودون سابق إنذار أو إشعار يسقطونه أسفل سافلين.
لقد شكل حدث وفاة والد الزفزافي رحمه الله مناسبة أخرى أبانت عن المعدن الحقيقي لكثير من أولئك الذين لم يروا في الشاب الزفزافي إلا ورقة يلعبون به لعبة كبار للي عنق الدولة وإخضاعها لمصالحهم. نفخوا في الشاب المتحمس جدا وفي غيره من أقرانه وحركوا آلتهم الدعائية لخوض حرب على المغرب من الداخل والخارج وساعدهم في ذلك أعداء يغيضهم ما يحققه المغرب من تقدم ونجاح.
لم يستفد الزفزافي من أي امتياز لحضور جنازة ودفن والده ولكنه نال حقه الذي يضمنه له القانون مثل غيره ممن توفرت فيهم معايير الاستفادة من هذا الحق في حالات مماثلة لحالته، ويحسب لمندوبية السجون إيجابيتها في تأمين وصوله لمكان الدفن والتأبين في الوقت والتغلب على كل الصعاب رغم بعد المسافة ووعورة الطريق.
لم يكذب الزفزافي ولم يجامل وهو يشكر مندوبية السجون، وكانت ملامح وجهه وجسده ونفسيته تؤكد أنه في صحة جيدة ويحظى بالرعاية الكاملة كسجين يقضي عقوبة حبسية، واغتنم الفرصة والتوقيت ليعلن المفاصلة مع أصحاب الأجندات الانفصالية الخاضعين تحت تأثير وتمويل جهات لا شغل لها سوى إضعاف المغرب.
لم يتقبل من عهدوا في الزفزافي مجرد بوق يصرفون من خلاله خطابهم، أو رجع صدى يكرر سردياتهم، فانقلبوا عليه في الحين بالتخوين و”بيع الماتش” والشروع في إعداد خلف له كمانديلا جديد، والمستقبل سيؤكد أن مصير مانديلا الجديد لن يكون أفضل من سابقه.
هذا الحدث فرصة لشباب كثر ليتيقنوا من خطورة ما حذرنا منه مرارا، وهو التماهي، بحسن أو سوء نية، مع أصحاب الأجندات الانفصالية من تجار الزطلة وأصحاب السوابق الذين لا يرون في أمثال الزفزافي سوى أدوات لقضاء مصالحهم والضغط بهم على السلطات حتى تستجيب لرغباتهم.
أمثال الملاوط البئيس كانوا في حالة اكتئاب وهم يتابعون صور الدفن والحالة الوحدوية التي كان عليها الجمع الذي حج لعين المكان، وزاد من غيضهم حسن تعامل السلطات الأمنية مع شغب تلقائي لأطفال وضعه من دبر تأمين المكان في موقعه الطبيعي وأحسن امتصاصه حتى لا يشوش على اللحظة ويقدم خدمة العمر لمن كان عندهم العزاء الحقيقي بعد فقدان ورقة ظلوا يراهنون على أنها ستضعف موقف المغرب.
إرهابي -يحلم دائما ب”عرس” ثوري يظن أنه سيصل إليه بالجهاد في المغاربة- بلغ به الحنق حد المطالبة بإمداده وشركائه بالسلاح لمواجهة المغرب. ينسى “البليد” أنه سبقه لهذا من هم أفضل منه وانتهى بهم المطاف إلى توبة ومراجعة لذلك الخيار،وسبق له أن جرب هذا الخيار و لم يفلح ويغمض هذا الإرهابي عينيه عن حقائق يعيشها العالم وتحولات جعلت حزب العمال الكردستاني يحرق أسلحته بعد عقود من العمل المسلح. لا أظن هذا الإرهابي تغيب عنه هذه الحقيقة لأن هواه تركي ويتابع ما يحدث فيها عن كتب إلا إن طمس الله بصره وبصيرته فلم يعد يرى سوى كوابيس النوم واليقظة حول المغرب.
أتمنى صادقا أن يكون من تبقى من هذا الملف في السجن استفادوا من هذا الدرس واتضحت لهم حقيقة اللعبة التي حشروا فيها، وأن يكون الجميع قد تأكد بأن الدولة لا تحقد على أبنائها ولا تنتقم منهم مهما أذنبوا وأجرموا، ولكنها تفعّل القانون ضد كل انحراف حماية للمجتمع. الكرة في ملعب الزفزافي، إن هو أراد أن يضع حدا لهذا الملف، والخطوات من أجل ذلك واضحة، وعلى من يتباكى على مصيره ومعاناته أن يكون له ناصح أمين. هل بإمكان الزفزافي وباقي رفاقه التحلي بهذه الشجاعة واستيعاب اللعبة التي أدخلوا فيها؟ هل أصبحوا اليوم على دراية بمن يتلاعب بملفهم ويسترزق به؟ ننتظر القادم من الأيام.
لا يمكن ختم هذا البوح دون التطرق لحوار الكونفيدنسيال. الأمير الذي سبق أن أعلن تخليه عن اللقب الأميري ولكنه يتناقض مع قراره حين لا يمانع من استعمال هذه الصفة من طرف المنابر الإعلامية وغيرها كلما كانت تخدم مصلحته وتعزز مكانته، كما لا يمانع بإضفاء اللون على شخصيته رغم أن لا شيء يربطه بذلك اللون تنشئة ومعيشة وأفكارا وقناعات.
توقيت هذا الحوار والمنبر الذي نشره والصفة التي قدم بها المحاوَر ومضمونه والمتهافتون على ترويجه كلها تثير الريبة وتفتح الباب أمام تساؤلات عديدة عن الهدف منه.
يتشبث المحاوَر بقبعته الأكاديمية ولكنه يتجاهل متطلباتها، وفي المقدمة الصرامة العلمية والمنهجية، لتقبل تلفيقات وإشاعات دون تمحيص. ومن ذلك تبنيه لكذبة صراع الأجهزة الأمنية واحتكار الدولة للإسلام، وهذه فقط عينة من تناقضات “الأكاديمي” الذي عبر في حواره عن أمنيات ومطامع شخصية، وأكد فيها تناقضات بين فعله وقوله.
لا يكفي التعبير عن عدم الرغبة في تقلد مناصب أو الوجود في وضعية تقاعد سياسي لدحض الأطماع الشخصية ضد منطوق الدستور الذي وضح طرق انتقال الملك في البلاد والمعنيين به تواليا. وعلى الأمير “الثورجي” مصارحة المغاربة بحقيقة دوره فيما يقوم به غلامه المجذوب والذي لا يتحرك إلا في الرقعة التي يضعها له ولي نعمته منذ عقود لأنه معدوم الإرادة وفاقد لأهلية التصرف ومحجور عليه فلا ينطق إلا بما أمره به السيد من وراء حجاب.
وهم صراع الأجهزة غير موجود إلا في مخيلة “مجاذيب” مغيبين عن الواقع ويعيشون في عالم الخيال الذي لا علاقة له بما يحدث في الأرض. والخشية أن تكون استنتاجات المحاوَر مبنية على أوهام مجاذيب وطوابرية محيطين به ويصورون له المغرب كما يتمنون أو كما يخدم أحلامه وهو البعيد قلبا وقالبا عن ما يحدث في المغرب.
لو كان قلب المحاور على المغرب لأمر غلامه بالتوقف عن ابتداع سيناريو بئيس مستوحى من القفز على الوثيقة الدستورية بمنطق حلبة القفز على الحواجز ليخترع له دورا على مقاس أهوائه في مغرب المستقبل ويغذي داخله أطماعا مدفونة منذ عقود، ولأمره أن يقطع علاقاته مع من تخصصوا في النيل من أعراض العائلة الملكية في كل مناسبة بالأباطيل، وقد تبث له بالحجة والدليل أنه هو من يملي على المبتز الذي يشترك معه في الخضوع لعصابات المخدرات وغيره من الأصوات النشاز ما يقولون بالحرف، حتى أنه صار فعلا زعيم تشكيل عصابي متعدد التخصصات وعابر للأوطان يتجمع فيه الشلاهبية والمبتزين والمشهرين والحاقدين. هل ينفي الأمير هذه الحقائق؟ هل غابت عنه وهو يتبنى الأكاذيب التي لا يصدقها عقل؟ هل يمكنه التبرؤ من غلامه ورفع الحماية عنه؟ هل ينكر علاقته التبعية معه؟ هل يمكن أن يثبت أنه امتعض يوما من أسلوبه هذا في توظيف الطوابرية لخدمة أجندة معادية للمغرب ومؤسساته، وفي المقدمة جلالة الملك والعائلة الملكية؟
أباح الأمير لنفسه تقييم وضع الأجهزة الأمنية “هذه ليست حربا بين أجهزة الاستخبارات، بل هي خلل عميق، أشبه بمرض”. لا يضر هذا التقييم الشخصي هذه المؤسسات لأن شهادة كفاءتها حازتها من الثقة الملكية والاحتضان الشعبي والتقدير الدولي، ولكن صاحب التقييم يضع نفسه في عزلة وفي حالة شرود عن هؤلاء جميعا.
يكفي الأمير إطلالة على من يروج لحواره ولمقتطفات منتقاة منه بخلفية مسمومة، وسيرى أنهم أعداء المغرب من الطوابرية الذين تخصصوا في ضرب الملكية والنيل من الملك وترويج الأكاذيب عن المغرب. يكفي الأمير أن المنبر الذي اختار تبليغ أطماعه من خلاله معادي للمغرب ومتخصص في ضرب المغرب ونظامه ومؤسساته. هذه وحدها تكفي المغاربة فيه لأنهم لن يميزوا الرسالة عن مرسلها وعن الوعاء الحامل لها. وكأن المنابر الموضوعية والمهنية والمتزنة اندثرت ولم يتبق إلا الكونفيدنسيال.
لم يكن يتوقع أن يبلغ الأمر بمن يحرص على وحدة المغرب المذهبية واستقراره ونموذج تدينه المنفتح والمتسامح أن يعلن جهارا دعوته لتتخلى الدولة عن دورها في حفظ هذا المكتسب المتوارث عبر قرون. لا يفهم من هذه الدعوة سوى مغازلة تيارات معينة راهن عليها الشخص نفسه منذ عقود ولم ينل رضاها أبدا. أكذوبة احتكار الدولة للإسلام لا تنطلي على المغاربة لأن الدولة لا تحتكر الدين ولكنها تنظمه بما يحفظ وحدة مذهبية ومقاربة تسامحية ونظرة منفتحة على العالم وتحولاته، ولم تتدخل الدولة إطلاقا في اعتقادات واختيارات الناس الفردية. وما على مروج مثل هذه الأطروحات إلا الانتباه أنها لن تجلب له حماة أو رعاة من الخارج لأن قرار المغرب ومصيره يصنع داخله وبالمغاربة وحدهم.
لا يفيد مع المغاربة اللعب على الحبلين، ولا الظهور بوجهين، لأن عمر التضليل قصير. وكان على “الأكاديمي” التأكد من مصادره وتنويعها وتمحيص كل رواياتها احتراما لوضعه الاعتباري قبل إطلاق النار في كل صوب لأن الطلقات العشوائية قد تصيب صاحبها قبل غيره.
الأهم في كل ما يحدث أن الأوراق تفتح لتقرأ على أعين المغاربة، وتزامن مثل هذه الحوارات مع الحملات ضد المغرب يضعها في نفس خانتها، ويضع أصحابها في موقع معاداة مصالح المغرب والمغاربة.
أصبح المجذوب الذي لا يتحرك إلا بأمر سيده في اللائحة السوداء عند المغاربة، وكشف دون أن يدري خيوط شبكة المبتزين والحاقدين على المغرب وطبيعة روابطها ودوره فيها، وهو لا يسيء لنفسه بمثل هذه التصرفات الرعناء فقط وإنما يسيء لمن يدعي القرب وهو أبعد من البعد نفسه، والتبرؤ من تصرفاته وقطع الصلة به سيكون فيصلا عند كل المغاربة لأنه لا يمكن التساهل مع من “ينوعر” مع كل أعداء المغرب في الخفاء ويعلن أنه يريد مصلحة المغرب. وقبل ذلك ما على أبو ندى إلا أن يدلي للرأي العام بكشف حساب عن موارده تفعيلا للشفافية التي يطالب بها غيره ويعلل مصدر عيشه. هل يستطيع ذلك؟
سنرى في قادم الأيام مدى قدرته على خوض هذا التحدي.
موعدنا بوح قادم.