بوح الأحد: محمد السادس ملك كل الاجيال، عندما يتجاوز قراء بوح واحد 25 مليونا
بوح الأحد: محمد السادس ملك كل الاجيال، عندما يتجاوز قراء بوح واحد في أيام 25 مليونا، بيان جيل 212Z يتحول في غسق الليل إلى بيان لجيل Z الكندية دليل آخر على أن جيل Z في الشارع بوجوه مغربية و محركوها من الخارج و غير مغاربة و أشياء أخرى…
أبو وائل الريفي
ما أعرفه -من خلال ما تتيحه منصات التواصل من إحصائيات وأرقام- أن عدد متابعي هذا البوح يعدّون بالملايين كل أسبوع، وأن عدد المسارعين إلى قراءته والأوفياء لذلك سويعات بعد نشره يقدّرون بمئات الآلاف، ولكنني لم أكن أنتظر أن يتجاوز عدد قراء بوح الأسبوع الماضي 20مليونا في ظرف لا يتعدى ال48 ساعة ليتجاوز أياما بعد ذلك 25 مليونا. فما السر في ذلك؟ هل هو مجرد فضول معرفي؟ أم هي حاجة حقيقية لدى متابعي ما يحدث في المغرب لمعرفة حقيقة ما سمي بجيل Z ؟ أم أن هناك شيء آخر؟
تكرر هذا الأمر في أكثر من مناسبة، والرابط بينها هو استئثار حدث معين باهتمام الرأي العام، وحصول غموض حول فهمه وتفسيره وتحليله، ولكن الأسبوع الماضي فاق العدد كل التوقعات المعتادة.
قد تتعدد أسباب متابعة البوح من قارئ إلى آخر، ولكن هذه الأرقام غير المسبوقة التي حققها بوح الأسبوع الماضي كانت منتظرة عند فئات عريضة تنتظر البوح فيما أشكل على كثيرين فهمه، وتعقد على الغير تفسيره وتحليله ووضعه في سياقه وحجمه، واستشراف مآلاته ومعرفة خلفياته ودوافعه والأهم من كل ما سبق معرفة من يقف وراءه.
تلك الأرقام والحصيلة دليل على أن هذا البوح يقدم مادة مفقودة في غيره، ويتقدم خطوات في تحليل ما يحتاج الرأي العام إلى فهمه، ويتجاوز لغة الخشب ليسمي الأشياء بمسمياتها ويصف كل شيء على حقيقته، ووفيّ للخط الذي رسمه لنفسه منذ البداية. هذا هو سر ٱستمرار هذا البوح الذي لم يسجل عليه انحراف عن هدفه أو تحريف لمنهجيته أو خطأ في توقعاته أو كذب في معلوماته. وهذا هو العهد الذي ضربه أبو وائل على نفسه منذ أول بوح لأن في الصراحة راحة ولأن القارئ في حاجة إلى من يقول له الحقيقة مهما كانت قاسية، ولأن صاحب البوح لا يبحث عن معجبين على حساب الجهر بالحقيقة مهما كانت مؤلمة لمتلقيها، وقد قال المغاربة دوما “قاسح أحسن من كذاب”.
حالة التجاوب مع هذا البوح من داخل وخارج المغرب، وهي خدمة تتيح منصات التواصل الإجتماعي معرفتها بالتفصيل، تؤكد أن الرأي العام يحتاج لصُوَى في الطريق تنير له العتمات وتقدم له قراءة لما يحدث.
لا أزعم أن كل هؤلاء القراء يتفقون ويتماهون مع أفكار البوح لأن هذا طلب للمستحيل، ولا يدخل ضمن انتظاراتي، ولكنها تضيف لكل قارئ جوانب وتفتح عقله على زوايا وتغنيه بمقاربات لا تكتمل الصورة إلا بها، وبعد ذلك لكل موقفه واصطفافه.
بالنسبة للمتفقين والمختلفين، وحتى المعادين، لا يمكن قراءة أرقام متابعي هذا البوح إلا على أنها احتضان شعبي وتشجيع للمنتوج النوعي الراغب في الرقي بالتحليل والصعود بالاستشراف والتعمق في قراءة الأحداث وفق أدوات علمية ليس لأي كان امتلاكها.
خلال الأسبوع الذي مضى تأكد بالدليل والبرهان لكل من يتابع ما يراد له تعسفا أن يسمى احتجاجات جيل Z أنها ليست مغربية منشأ وأساليب وخطابا وثقافة. استنتجت فئات عريضة من الشباب “المغرر بهم” أنهم كانوا ضحية شعار وردي وحلم تحول إلى كابوس وهم يرون تداولاتهم على خوادم ديسكورد مجرد تسخينات يستغلها آخرون، ولا سلطة لهم فيما ستؤول إليه خلاصاتها في الغد، وأن الكثير مما يناقش فيها ليس هو ما يتم تنزيله في الواقع. كيف يقبل شباب المنصة ويصمتون على نشر بيان في منصة أخرى قبل الصفحة الرسمية التابعة ل”حركتهم”؟ وكيف لم يتحركوا من أجل فتح تحقيق حول ذلك ومحاسبة مرتكبه وهم من يطالبون بربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وتزداد الخطورة إن علمنا أن صاحب المنصة الناشرة للبيان قبل نشره في المنصة الرسمية معروف بارتباطاته المشبوهة بكندا، وأنه -ومن يسيره من وراء حجاب- “ضالون” و”يتحدّون” الشباب ولم يعودوا يخفون تحكمهم في مخرجات تداولهم. هكذا، وفي لمح البصر، تحولت منصة في غسق الليل وفي غفلة من الناس وهم نيام إلى الناطق باسم GenZ212 من كندا لتؤكد أنه كان يلزم أن تسمى GenZ+1. والأخطر أنه بمجرد ما انتشرت الفضيحة سارع من لا ينتعش إلا في البرك الآسنة إلى إخفاء جريمته فزاد إلى فضيحة النشر فضيحة الحذف/المسح وليؤكد أن المتحكم في GenZ212 موجود خارج المغرب، وليقيم الحجة على الشباب الذين ما زالوا في دار غفلون حتى يقطعوا علاقتهم ب”حراك” لا تزيده الأيام إلا شبهة، ويوقظ “المغرر بهم” من حالة التخدير والتنويم التي تعرضوا لها طيلة الأسابيع الماضية.
كالعادة، يفضل البعض بعد كل لغط وشعور بالورطة الهروب إلى الأمام وتهوين الخطايا بتصويرها كهفوات بسيطة تم استدراكها بالحذف ونشر البيان في منصة الحركة التي لا تزيدها الأيام إلا غموضا.
ألم أقل لكم أن GenZ212 ليست مغربية؟ هل ما يزال هناك من يعاند للاعتراف بهذه الحقيقة؟ ألم أقل لكم أن رمز Z لا علاقة له بالمعنى الجيلي وقد اتضح أن المشبوه الكندي ومن يقف وراءه ويملي عليه ما يفعل أبعد سنا وتفكيرا وحاجات عن جيل Z؟ وقد لمحت في بوح سابق إلى من يأمره ويتحكم في كل ما “يلوكه” لسانه ضد المغرب ومؤسساته، وارتباطاته بمن ينتظر على أحر من جمر أن نخرج ما في جعبتنا من حقائق حوله، ولكن لكل أجل كتاب، وسيأتي يوم عرض الحقيقة على المغاربة ليعرفوا من قلبه على المغرب ومن لا يرى في المغرب إلا بقرة حلوبا ومأوى آمنا كلما ضاقت به السبل، ولا غيرة له على البلاد ومؤسساتها.
غموض الحركة وأهدافها وسياق تحركها وأهدافها لا تزيده الأيام إلا فضحا وسط الشارع المغربي، وخاصة إن أضيف إلى الغموض حالة ارتباك متكررة. والحمد لله أن انتشار مثل هذه الحقائق يجعل الشباب يعون ما كان مخفيا عنهم عند انطلاقها، ولذلك ذكرت في البوح السابق بأن جزءا من الشباب المغرر بهم سيستفيقون كما استفاق من سبقهم وكلنا نأمل أن لا يتأخر الاستيقاظ لأن الندم حينها لن ينفع في شيء وسيتضررون مما يفعلون.
لقد انطلقت GenZ212 بمطلبي الصحة والتعليم، وهو شعار تعبوي وتهييجي اختير بعناية لأنه الأقدر على تجميع الناس حوله، ولأنه يصعب أن يختلف حوله أي مغربي، ولأن هناك اختلالات ونقص في هذه الخدمات لا يمكن إنكارها وإن كانت تتفاوت من جهة إلى أخرى، وقد تم التنبيه في أكثر من مناسبة من طرف جلالة الملك إلى تفاوت السرعات ومشاكل العدالة المجالية والإنصاف الترابي، وتم توجيه الحكومة إلى مراجعة سياساتها العمومية لتلبية حاجات المغاربة بشكل متكافئ في كل التراب الوطني وعلى مختلف الشرائح والفئات. فجأة، ومباشرة بعد أيام قليلة، وفي ظل حالة انتشاء وغرور، أخرج شيوخ و عجائز GenZ212 الضالعين في إطلاق شرارتها مطالبهم الحقيقية التي لم تتضمن مطالب الصحة والتعليم، بل كلها كانت ذات طبيعة سياسية وغير دستورية وتضرب في العمق دولة القانون والمؤسسات. هل يمكن أن يشرح لنا بعض ممن يتصدر المشهد ما علاقة إقالة الحكومة وحل الأحزاب وإطلاق سراح المعتقلين وجلسة وطنية علنية للمساءلة بما روج له منذ أسابيع؟ من صاغ تلك اللائحة التي لم يعلن عنها من قبل؟ أليست هذه هي مطالب مقاولة فري كلشي المفلسة التي تنتمي للقرن الماضي والتي عجزت عن فرض إرادتها على الدولة طيلة سنوات رغم استعانتها بالخارج واستقوائها على الدولة بحملات المنابر والمنظمات المأجورة لإضعافها وإخضاعها؟
كان يمكن اعتبار هذه الصيغ ضمن مثاليات جيل Z ولكن الإصرار والارتباك وتغيير المطالب كلها مؤشرات تؤكد أن من يقف وراء تلك الصياغات يتعمد خلط الأوراق لأن الثابت في كل صيغها هو تجاوز المؤسسات وخرق الدستور ومخاطبة الملك مباشرة لدفعه إلى التدخل حتى تكون فرصة لإشعال الوضع وجعل الملكية في المواجهة مع المغاربة.
نفهم الآن سبب الغموض المرافق ل GenZ212 منذ نشأتها وتعمد عدم إظهار قادتها والإفصاح عن لائحة مطالبها واقتصارها على شعارات عامة وفضفاضة وغير ثابتة وقابلة للتصعيد بعد كل مرحلة ارتأى فيها المتحكم عن بعد في الحركة جدوى ذلك. وقد اتضح أنه -مباشرة بعد انتقاد صيغة المطالب وتغييبها للمطالب التي كانت وراء نشأة الحركة- تم التراجع عنها من طرف نفس الصفحة التي تبنتها وتم تبرير ذلك بأنها غير نهائية. هل يعقل أن حركة مسؤولة تتظاهر لأيام بدون مطالب واضحة؟ وتتعمد نشر لائحة ثم تتراجع عنها؟ هل يزيد هذا الارتباك من الثقة في الحركة أم يفقد هذه الثقة منها؟ هل من مصداقية في حركة تدعي أن الشعب فقد ثقته في الدولة، وهي لم تستطع كسب ثقتهم حول ملف مطلبي تغير بنوده باستمرار وبدون تشاور وبأرقام تصويت هزيلة رغم أنها مخدومة على المقاس؟
ولأن الارتباك والغموض سمة ملازمة لمن يختبئ وراء جيل Z فقد عمد إلى استدراك حالة الفراغ وطرح تقريرا “مخدوما” صيغ من طرف عجوزة متقاعدة من حركات القرن الماضي ومليئا بمقتطفات واستشهادات من تقارير رسمية مراهنا على طوله لإخفاء عيب غياب مطالب تكتسي طابع الاستعجال الذي يستند إليه لتبرير الدعوة لاتخاذ قرارات استثنائية لا يوجد لها سند دستوري أو قانوني، ولذلك فقد اهتدوا في هذا التقرير إلى وجوب سحب مطلب إقالة الحكومة والاستعاضة عنها بمطلب استقالة الحكومة واصفين هذا المطلب بغير الشعبوي وفي هذا اعتراف أن مطلب الدعوة إلى إقالة الحكومة مطلب شعبوي وغير واقعي وغير دستوري ويريد الزج بالملكية في متاهات ستكون فرصة ذهبية لمن يقف من وراء الستار محركا كل خيوط هذه اللعبة الممجوجة.
لا يمكن الوثوق بسذاجة بادعاءات استناد التقرير إلى الدستور والنموذج التنموي وبناءه على تشخيص قامت به المؤسسات الدستورية لأن طابعه الانتقائي يخدم هدفا وحيدا هو تصوير البلاد وكأنها في وضع مأساوي وشلل كامل وعجز وظيفي وفشل بنيوي يستلزم تعطيل الإرادة الشعبية.
إضفاء طابع الاستعجال على لائحة الشعارات التي يلاحظ الإصرار على تصنيفها في خانة المطالب رغم أنها فضفاضة ينبئ عن رغبة في إرباك سير الدولة لأن إنهاء مهام الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة جديدة يتطلب شهورا إلا إن كان في ذهن من يتبنى هذه الشعارات أن البلاد يمكن أن تسير بدون مؤسسات وخارج نطاق الدستور، وهو ما يتعارض مع الاختيار الديمقراطي الذي يعد ثابتا من ثوابت المملكة، كان يلزم على من يطالب بالديمقراطية التشبث به وتقويته وتدعيمه وليس تغييبه وهدمه.
يزداد الأمر انفضاحا حين يرتبط بلازمة رفض الحوار مع مؤسسات الدولة والتمسك بمطلب غير دستوري هو إقالة مؤسسة دستورية فصل الدستور في طريقة تشكيلها وكيفية عملها ومن له صلاحية مراقبتها وإقالتها.
القرار بهذا الشأن -ولن نفتأ عن التذكير بذلك- في يد هيئة ناخبة، وهي مدعوة للإدلاء بصوتها بعد أشهر، وهذه هي المحطة الأساسية للمحاسبة الشعبية. وهو ما سطرناه في نهاية البوح السابق حين قلنا بأن الإرادة الشعبية تحسمها صناديق الاقتراع وليس ساحات الاحتجاج التي تثبت كل الأرقام بأن أعداد المشاركين فيها محدودة وفي تراجع. ولعل هذا ما فهمته بعض المنابر التي حشدت في اليوم الأول والثاني إمكانياتها انتظارا للحدث الجلل فضخمت منه، ولكنها حين شاهدت الواقع أصيبت بالصدمة فعرفت أن الأمر لا يعدو احتجاجات محدودة ومعهودة وهي عنوان حياة ودينامية ديمقراطية ينعم بها المغرب منذ عقود، وزادت صدمتها حين شاهدت ما رافق تلك الاحتجاجات من تخريب للمرافق الخاصة والعامة، واعتداء على السلطات، وعاينت حكمة السلطات العامة في تعاملها معها، وعدم ضيقها بمسيرة لا تقارن معها من حيث أعداد المشاركين يوم الأحد حول فلسطين، وتسامحها مع الكثير من الوقفات التي تنظم يوميا، حتى أن ليلة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية شهدت الساحة المقابلة له أربع وقفات دفعة واحدة دون أي تدخل من السلطات. لماذا لا ترى هذه المنابر هذا التدبير الحكيم وتقارنه مع حالات القمع التي شاهدناها جميعا في التعامل مع وقفات في اسبانيا وغيرها للتضامن مع غزة واستعمل فيها العنف ضد مشاركين سلميين؟ هنا نفهم ازدواجية المعايير وسياسة الاستهداف للمغرب ومؤسساته، وسبب اختيار رمز Z الذي وضحت في البوح السابق مصدره وسياق استعماله ضد الشرطة والدرك في اليونان في 1963. المقصود هو جر السلطات العامة إلى المستنقع والإساءة لمكانتها وسط المغاربة بعدما رأوا إنجازاتها في الداخل والخارج التي بوأتها مكانة جعلتها محتضنة شعبيا ومقدرة دوليا ويشاد بمهنيتها وحرفيتها وكفاءة نسائها ورجالها.
انبرت بعض المنابر لتحليل خصائص هذا الجيل ومطالبه في المغرب أكثر مما يحدث في بلدانها التي تستحق أن تعطيها اهتماما لأن مستقبلها مهدد، وبدأت الوجوه المنتقاة بعناية لاعتلاء بلاطوهات النشرات والبرامج تنفت سمومها ضد المغرب وتصفية أحقادها تجاه مؤسسات الدولة التي لم تقم إلا بتطبيق القانون تجاه مخالفاتها، وفجأة ظهر متخصصون في المغرب عن بعد غريبون عن مجتمعه ولا تربطهم به إلا الجنسية فقط.
والأمر نفسه بالنسبة لبعض “الحراكة” و”المتسكعين” الذين لا يتجاوزون أصابع اليدين وكان شغلهم الشاغل تدويل GenZ212 بوجوه ممجوجة في كندا وفرنسا.
لمجرد إصدار وثيقة ارتجالية تتضمن مطالب الحركة استغرق الأمر أسبوعين ونشر أكثر من نسخة، بينما يطلب في الاستجابة لها صبغة الاستعجال!! ويرجى من الدولة أن تستجيب لتلك المطالب بدون وجود حكومة وبرلمان!! بما يفهم منه رغبة في تغيير الميزانية وخرق الدستور والقانون واعتماد سياسات عمومية بديلة دون موافقة الشعب أو ممثليه!! ويطلب من الدولة ربط المسؤولية بالمحاسبة دون تقديم أدلة مادية على اختلاسات ولكن من يقف وراء الحركة يعترف أن هناك من يجمع تبرعات باسم الحركة دون علمها ولكنهم عاجزون عن معرفته والتبليغ عنه لدى السلطات!! ويطالبون بتفعيل الدستور وروحه بديمقراطية وفي الوقت نفسه يطلبون ممن هو مؤتمن على هذه المهمة أن يضرب بعرض الحائط الإرادة الشعبية بإقالة الحكومة وتعيين حكومة جديدة خارج الأحزاب رغم أن الدستور يلزم الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات وبناءا على نتائجها!!
هي كلها أفكار تثير التعجب والاستفهام في آن واحد، والرابط بينها هو ما يبحث عنه البعض منذ سنوات ليحقق مبتغاه بأن المغرب ما يزال في ملكية مطلقة، لأنه يسيئه بأن الملك لا يتدخل إلا في نطاق الدستور، وحتى مناطق الغموض ينحاز فيها للتأويل الديمقراطي للدستور. فهل هذا المنحى يجيز ضرب الانتخابات وإقالة الحكومة والبرلمان؟ ألن يقال بأن أموالا تهدر في انتخابات بدون فائدة؟ ألا يمكن انتظار شهور وتكون الكلمة الفصل للشعب وهي أهم أشكال المحاسبة التي يكون فيها الشعب حكما وصوته فيصلا.
إن الملك رئيس الدولة هو المؤتمن على الدستور واحترامه، وله كل الصلاحيات لاتخاذ القرار الأصلح للمغرب، وما عودنا إلا حلولا وقرارات تثلج الصدر وتعود على المغرب بالنفع وقد أمّنته في لحظة اضطرابات قوية عصفت بنظم في المنطقة، والتوجهات الكبرى للدولة لا مؤاخذات عليها، ولكن السياسات العمومية لتنزيلها شأن حكومي خالص لا يتدخل فيه الملك لأن الحكومة والبرلمان نتاج انتخابات يتحكم في مصيرها المغاربة وما على من لا تعجبهم الحكومة إلا انتقادها والتعبئة في الانتخابات القادمة لخيارات بديلة ويقنعوا الشعب بجدواها.
لا يمكن استساغة أن من يطلب محاربة البطالة هو من يحرف نضاله ليصبح هو مقاطعة بضائع ومقاولات مهما كان الخلاف مع أصحابها لأنها في آخر المطاف جزء من نسيج اقتصادي وطني.
كل ما سبق يوضح أسباب الحرص على غموض الحركة وعدم ظهور قيادة لها ومحاورين ورفضها للحوار لأنه يراد لها أن تبقى ملكا مشاعا لاستغلالها من طرف أصحاب الأجندات، والضحية هم الشباب الرومانسي الذي صدق الشعارات ولم ينتبه للخلفيات والأجندات.
لقد أصبحت GenZ212 فرصة لكل من له قضية يستغلها للوصول لهدفه. يريد البعض عبرها الاستقطاب لتأسيس حزب، وآخرون الوصول إلى ما لم يصلوا إليه بالصناديق، وآخرون يطمحون لإعادة استرجاع بعض مما فقدوه، وآخرون يبحثون عن تقوية موقعهم التفاوضي، وآخرون يريدون الظهور بمظهر من يقدم خدمة للشعب طمعا في تعزيز حضورهم. أليس في هذا تحميل لهذا الجيل ما لا يحتمل؟
وخاتمة الفضائح هي الرسالة التي خطها من فاتهم القطار من جيل منتصف القرن الماضي ركوبا على الموجة. تستحق تلك الرسالة لحظة تأمل في توقيتها الذي لم يراع ما يدعيه من احترام للشباب، بل أكد نشر تلك الرسالة التي صيغت على عجل وتسابقا مع الزمن للتعجيل بنشرها خوفا من ضياع “الهمزة”. وأفضل رد عليها هو ما تلقاه موقعوها من استهجان واستنكار جعل بعضهم يستحيي من نشرها وبعضهم يندم على فعلته وبعضهم يدافع عنها باحتشام لأنه موقن أنه ارتكب خطيئة.
من حيث الشكل، يثير الطابع المفتوح للرسالة أكثر من الاستنكار لأن في ذلك إساءة أدب مع شخص الملك، ويزيد الأمر استهجانا فتحها للتوقيع على منصات للضغط على الملك مع العلم أن الأمر سيكون ضربة لمن اتخذ هذا القرار وسيفضح حجمه الحقيقي مقارنة مع ملايين المغاربة. أسلوب العرائض/ الرسائل المفتوحة ولى إلا إن كان صاحبه يريد توتير الوضع ويتعمد الاستفزاز ظنا منه أنه سيكون سببا في عدم تحقيق المطالب والتجاوب مع حامليها.
من حيث صفات موقعيها، لوحظ تدليس بادعاء شيوخ أنهم “أبناء وبنات” وفي هذا كذب على الرأي العام وتأكيد لرغبة الركوب الجيلي.
من حيث عدد الموقعين لم تتعد اللائحة ال60 موقعا غابت عنهم الأسماء/الزبائن التي اعتادت توقيع هذه العرائض، وهي رسالة للموقعين جميعا بأن هذه الأساليب لم تعد ترضي حتى من كانوا محترفين لها وأول المتجاوبين معها، ومن ضمن الأسماء الموقعة ما يقارب النصف يعيشون خارج المغرب، بل منهم هاربون من العدالة، ومنهم من استغل استفادته من السراح المؤقت ليغيب عن جلسات محاكمته، فكيف بهؤلاء يطالبون بتفعيل المحاسبة وهم أول من يتهرب منها؟
ومن الموقعين من يمثلون منظمات غير حكومية ولكنهم تخلوا عن التحفظ الذي يفرضه عليهم هذا التمثيل، ومنهم متورط في تهريب أموال والعجب أنه يطالب بالشفافية والمحاسبة، ومنهم من لا يتوقف عن سب الملك بأقدح النعوت وفي الرسالة يصفه ب”احترام” بجلالة الملك. فماذا نصدق؟ ومن نصدق؟ وكيف يراد لنا أن نصدق؟
لقد كان مستهجنا أن يوقع على هذا المنشور/الرسالة من يمثل المغاربة في البرلمان لأن مثل هؤلاء يعطون المثال على أنهم لا يستحقون النيابة عن الشعب والترافع باسمه وفق الأدوات التي يتيحها العمل البرلماني، وكم سيكون متناقضا إعادة الترشح للقبة وقد كان اعتماد أساليب الرسائل المفتوحة شهادة وفاة للعمل من داخل المؤسسات الرسمية.
من حيث التشخيص، اعتمدت الرسالة أسلوب الانتقاء الموجه للقارئ وعدم التوازن والمبالغة في تسويد الوضع، ولذلك كانت المقترحات بعيدة عن الواقع وخارج الدستور رغم أن من موقعيها من يدعي الخبرة الدستورية، ولكنه لم يقدم صيغة دستورية لدعم مطلب رحيل الحكومة واكتفى بمطالبة الملك بذلك “عبر الوسائل الدستورية الملائمة”.
أسلوب تصفية الحساب مع القوات الأمنية كان حاضرا، حيث تم وصف رد السلطات بأنه حصر في الاعتقال والقمع وهذا تغليط متعمد بالكذب وغير صحيح لأن كل التدخلات كانت متناسبة وفي الحدود الدنيا وبهدف التفريق والتثبت من الهوية فقط، ووصف بعض التدخلات الأمنية بأعمال عنف أودت بعضها بحياة مواطنين مع الصمت عمن قام بالعنف؟ وما هي طبيعة هذا العنف؟ وما هي نتائجه؟ والأهم هو غياب الموقف ممن قام به؟ وهو ما يعتبر موافقة ضمنية على ارتكابه ودعوة إلى تكراره.
كان مستهجنا أن يتعمد من يدعون الخبرة أسلوب الشعبوية بالدعوة إلى مراجعة أولويات الدولة، التي يجب أن تركز على احتياجات المواطنين الأساسية – التعليم، والصحة، وخلق فرص الشغل – عوض الإلحاح على الإنفاق في مشاريع باذخة من قبيل أكبر ملعب كرة القدم في العالم، أو أسرع قطارات في إفريقيا، إلخ. وهذه مناسبة لتذكير كثير من الموقعين بحملاتهم ضد القطار فائق السرعة وضد شبكات الطرق السيارة وقد أثبتت السنين خطأهم وأصبحوا هم أول المستفيدين من تلك الخدمات.
لقد كان يمكن تفهم الإلحاح على تحسين الخدمات الصحية والتعليمية دون أن يكون ذلك على حساب مشاريع أخرى لا تقل أهمية لأنها من رافعات التنمية في البلاد في العقود القادمة إن أحسن تدبيرها.
لا يمكن إضعاف المغرب ب”تحركات” غامضة، ولا يمكن تحريك المغاربة بشعارات فضفاضة، ولا يمكن تعطيل الدولة ومؤسساتها ودستورها وقوانينها بتضخيم فشل حكومي تتيح القوانين تصحيحها بدورية منتظمة تجرى فيها انتخابات يقول فيها المغاربة كلمتهم مكافأة أو عقابا للناخبين، معارضة وحكومة.
اتضح من خلال مراسيم الاستقبال الشعبي أمام البرلمان أن محمدا السادس ملك كل الأجيال، وأن فضاء الحرية المقابل لغرفة البرلمان الذي يحتضن دائما كل التعبيرات المجتمعية بمختلف توجهاتها وآرائها كان ساحة لكل الأجيال هتفت بعفوية بحياة ملك لامس في خطابه كل هموم المغاربة ونبه إلى أن هذه السنة التشريعية هي الأخيرة في ولاية تشريعية ويلزم أن يتم تسريع وتيرة إنجاز ما تم التعهد به بما يحقق عدالة اجتماعية ومجالية.
أكد جلالته كما دائما أنه رجل الدولة مالك البوصلة والمطلع على احتياجات المغاربة والمستوعب لأولويات الدولة وتحديات الإنجاز.
ٱنتهى الكلام وإلى الملتقى في بوح قادم.