بكار السباعي: الصحراء مغربية والحكم الذاتي حقيقة لا رجعة فيها
اعتبر الحسين بكار السباعي الخطاب الملكي الذي جاء مباشرة بعد اعتماد مجلس الأمن لمشروع الحكم الذاتي كخيار وحيد وأوحد لفض النزاع المفتعل في الصحراء المغربية أنه خطوة سياسية وازنة تحمل بصمة الحكمة والتبصر.
وأضاف المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي ل”شوف تيفي” أن هذا الخطاب يأتي مع التحولات العميقة التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، عقب صدور قرار مجلس الأمن يوم 31 أكتوبر 2025، الذي دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، كحل سياسي وواقعي ونهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. واعتبر السباعي أن الخطاب الملكي تجسيدا للرؤية المتبصرة لجلالته، التي رافقت هذا الملف منذ بداياته، فكان بمثابة إعلان عن مرحلة جديدة، ينتقل فيها المغرب من منطق التدبير إلى منطق التغيير، ومن الدفاع عن الشرعية إلى ترسيخها على أرض الواقع.
وأضاف السباعي أن الملك أبان عن نبرة تجمع بين الثقة والتعقل، فالحكمة في خطاب الملك لا تستمد من موقع المنتصر، بل من موقع القائد الذي يدرك أن النصر الحقيقي هو تثبيت الاستقرار وصون الكرامة الجماعية للأمة المغربية .
وأشار السباعي إلى أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي الإطار الوحيد القابل للتطبيق، وأن الواقعية السياسية التي بني عليها هذا المقترح باتت تجد صداها في مواقف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، فضلا عن جل الدول الإفريقية التي ما فتئت تعبر عن دعمها الصريح لمغربية الصحراء ووحدة التراب الوطني. وهكذا جاء القرار الأممي تتويجا لمسار دبلوماسي طويل، أدارته المملكة بثبات وحنكة، حتى تحول الموقف المغربي إلى مرجعية دولية للحل السياسي العادل.
وأكد المتحدث أن الخطاب الملكي لم يكن إعلانا عن انتصار سياسي فحسب، بل بلاغا استراتيجيا يرسم ملامح مرحلة جديدة في تعاطي المغرب مع القضية الوطنية، قوامها الانتقال من منطق الدفاع إلى منطق البناء. فالمملكة اليوم و كما قال جلالته، لم تعد تدير الملف بل تصنع التغيير. وهذا التحول في المفهوم السياسي يعبر عن نضج التجربة المغربية، التي انتقلت من مقاربة الحفاظ على المكتسبات إلى ترسيخها عبر التنمية المندمجة بالأقاليم الجنوبية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المشروع الوطني الكبير، ومجالا استراتيجيا للانفتاح نحو العمق الإفريقي.
كما عبر جلالة الملك عن إرادة سياسية راسخة تنبذ منطق الصراع، وتعلي من شأن الحوار والتعاون، فالمغرب، كما شدد الملك، لا يعتبر الدعم الدولي المتزايد «انتصارا على أحد»، بل خطوة إيجابية لترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة. ومن هذا المنطلق، وجه دعوة إنسانية نبيلة إلى مواطنينا في مخيمات تندوف للعودة إلى أرض الوطن، والمشاركة في بناء نهضة الصحراء المغربية، مؤكدا أن المغرب لا يقصي أبناءه، بل يفتح أمامهم أبواب الكرامة والمشاركة في التنمية.
إنها رسالة تعيد للإنسان مكانته في قلب المشروع الوطني يقول السباعي، وتجسد عمق البعد الإنساني والسياسي في الرؤية الملكية.
وأضاف السباعي أن الخطاب الملكي استحضر الأبعاد التاريخية والرمزية التي تؤسس لوحدة الأمة، مذكرا بأن الأمن والاستقرار اللذين تنعم بهما الأقاليم الجنوبية هما ثمرة تلاحم المغاربة كافة، ونتيجة وفاء أبناء الصحراء الذين ظلوا متمسكين بهويتهم المغربية رغم العقبات والدعايات المغرضة، مشيدا بتضحيات القوات المسلحة الملكية والأجهزة الأمنية التي بذلت الغالي والنفيس في سبيل حماية وحدة الوطن، مؤكدا أن الدفاع عن الصحراء لم يكن يوما قضية حدود، بل قضية وجود وهوية، تمثل جوهر الوطنية المغربية وعمق مشروعها التاريخي.
ولم يخل الخطاب الملكي من بعد دبلوماسي راق، يقول السباعي، عندما دعا الملك الرئيس الجزائري إلى فتح صفحة جديدة من الحوار الأخوي الصادق، في مبادرة تعبر عن إرادة ملكية صادقة في تجاوز منطق القطيعة وبناء فضاء مغاربي متكامل تسوده روح التعاون والاحترام المتبادل، حيث إنها دعوة نابعة من الثقة بالنفس، تترجم نهج المغرب في تبني دبلوماسية هادئة ومسؤولة، توازن بين الحزم في الدفاع عن الثوابت الوطنية والانفتاح على الحلول الواقعية، وترسل للعالم رسالة واضحة، وهي أن المغرب لا يسعى إلى صراع، بل إلى سلام دائم يعيد التوازن لمنطقة الساحل والصحراء.
وأكد المتحدث أن التحولات التي أبرزها الخطاب الملكي السامي تعكس تراكمات دبلوماسية وميدانية رسخت مبادرة الحكم الذاتي في قلب الشرعية الدولية، فقرار مجلس الأمن لم يعد يكتفي بالإشادة بمجهودات المغرب، بل نص صراحة على أن المقترح المغربي هو الأساس الجاد والواقعي للحل، في تحولٍ نوعي في الموقف الأممي الذي تخلى نهائيا عن خيار الاستفتاء غير القابل للتطبيق، لصالح مقاربة توافقية تحفظ السيادة وتضمن كرامة الساكنة. بذلك يكون المغرب قد نجح في تحويل قضيته الوطنية من ملف نزاع إلى مشروع استقرار وتنمية متكامل، مدعوم بإجماع داخلي ودولي ورؤية ملكية متبصرة.
وختم المتحدث أن دعوة الملك إلى الانتقال من التدبير إلى التغيير تتجاوز بعدها الرمزي إلى تأسيس تحولٍ سياسي واستراتيجي عميق، يضع الصحراء المغربية في قلب السياسة العمومية الوطنية، ويحولها إلى قطبٍ اقتصادي وبشري مندمج في الاقتصاد الوطني والإفريقي. فالمغرب اليوم لا يتحرك برد الفعل، بل بالمبادرة واضعا نصب عينيه بناء المستقبل بدل استنزاف الجهود في صراعات تجاوزهـا الزمن.
وبهذا المعنى، فإن الخطاب الملكي يشكل لحظة مفصلية في مسار القضية الوطنية، إذ أعلن بوضوح أن المغرب لم يعد في موقع الدفاع، بل في موقع الفعل والتشييد، مستندا إلى شرعية تاريخية راسخة، وإجماع وطني متين، ودعم دولي متزايد.
فالرسالة الجوهرية التي حملها الخطاب هي أن مغربية الصحراء اليوم ليست شعارا سياسيا، بل حقيقة دبلوماسية وميدانية ثابتة، وأن مسار التنمية والوحدة يمضي بثقة وإرادة ملكية وشعبية، نحو مغرب متجدد يؤمن بالحوار ويقود من موقع القوة مشروع السلام والاستقرار في الفضاء المغاربي والإفريقي.
المصدر: شوف تي في