المغرب يحول افتتاح العرس الكروي لـ “الكان” إلى بيان حضاري لقارة

المغرب يحول افتتاح العرس الكروي لـ “الكان” إلى بيان حضاري لقارة

A- A+
  • المغرب يحول افتتاح العرس الكروي لـ “الكان” إلى بيان حضاري لقارة

     

  •  

    «نجاح مبهر، المغرب ينجح في خلق نسخة كروية رائعة للكان، المغرب يصنع ملحمة الكان ويستقطب الأضواء…»، هذا جزء يسير من عناوين الصحافة الدولية الكبرى في تغطيتها لحفل افتتاح كأس أمم إفريقيا بالرباط بداية هذا الأسبوع، إنها شهادة اعتزاز وفخر لنا كمغاربة، مسؤولين، مؤسسات، جمهور ولاعبين وعموم المواطنين، وكل من كانت له لمسة أنيقة أضفاها على هذا العرس الكروي المتميز.
    كان افتتاح كأس إفريقيا للأمم بالمغرب أكثر من لحظة رياضية، فقد شكل حدثًا قاريا مركزيا كثيف الدلالات، في تلك الليلة التي تابعتها أنظار العالم، كان المغرب يفتتح بطولة قارية بطعم خاص أشبه بالبيان الحضاري لقارة صاعدة، يبدع ويقدم نموذجا للتعايش المشترك وللتألق الإنساني وللاحتضان الدافئ، أعلن المغرب والمغاربة لحظة افتتاح عرس الكان، بهدوء الواثقين، أن زمنًا جديدًا قد بدأ، وأن القارة الإفريقية تمتلك اليوم القدرة على أن تحلم، وأن تُنظم، وأن تُبهر، دون وصاية أو عقد نقص.
    منذ اللحظة الأولى، بدا أن المغرب يتعامل مع «الكان» باعتباره استحقاقًا رياضيًا متميزا على مستوى القارة السمراء، وكملحمة وطنية تُكتب بعناية المعماري، وبحسّ الفنان، وإبداع اللاعبين، وبصرامة رجل الدولة وبحفاوة المواطن العادي. كان الافتتاح مشهدًا مركبا: ضوء، موسيقى، سرد، ذاكرة وتكنولوجيا تلتقي كلها لتصنع لغة كونية يفهمها الجميع. كان العرض الافتتاحي المذهل، تجسيدا للتنوع الثقافي الوطني ولمعنى الانتماء الإفريقي، ومعنى الحداثة المتصالحة مع الجذور.
    ما قدّمه المغرب في هذا الافتتاح تجاوز منطق «التنظيم الجيد» إلى منطق العبقرية التنظيمية، عبقرية لا تقوم على البهرجة الفارغة، عبقرية تقوم على الذكاء والإبداع للمهارة المغربية وللخصوصية الحضارية للقارة الإفريقية، كل التفاصيل الصغيرة كانت أشبه برسائل كبرى. كل حركة محسوبة، كل إضاءة موضوعة في مكانها، كل إيقاع موسيقي يخدم سردية متكاملة مفادها: اسمع يا عالم.. إفريقيا ليست هامشًا في العالم بل قلبه النابض القادم.
    إن الافتتاح المبهر لـ «الكان» في المغرب مرآة لنهوض بلد اختار منذ سنوات أن يستثمر في البنية التحتية، في الإنسان، في الصورة، وفي الثقة بالنفس. الملاعب، الطرق، المطارات، التنظيم اللوجستي، الإعلامي، الأمني، كلها عناصر اشتغلت بتناغم نادر، وكأننا أمام أوركسترا وطنية تعزف مقطوعة واحدة دون نشاز. حيث لم يعد النجاح صدفة، بل نتيجة رؤية طويلة النفس كان راعيها ومبدعها هو جلالة الملك محمد السادس برؤية متبصرة حوّلت الرياضة إلى قوة ناعمة للمملكة.
    لذلك يقدّم المغرب نفسه كجسر إفريقي، كان حفل الافتتاح احتفاءً بالقارة كلها: بلغاتها، بإيقاعاتها، بتاريخها الجريح والمضيء في آن. لقد نجح المغرب في تحويل «الكان» إلى لحظة مصالحة إفريقيا مع ذاتها، لحظة تقول فيها القارة للعالم: نحن قادرون على التنظيم، على الإبداع، وعلى إنتاج الفرح المشترك. ولا يمكن قراءة هذا الافتتاح إلا باعتباره بروفة كبرى لكأس العالم القادم. ليس فقط من حيث الجاهزية التقنية أو التنظيمية، بل من حيث العقلية. عقلية الدولة التي تفهم أن الرياضة اليوم ليست لعبة فقط، بل دبلوماسية ناعمة، وصناعة صورة المغرب واستثمار في المستقبل. ما رآه العالم في افتتاح «الكان» هو عينة مما يمكن أن يقدمه المغرب حين يكون الموعد عالميًا، وحين تتقاطع فيه القارات والثقافات.
    لقد قدّم المغرب درسا صامتًا لكنه بليغ: أن النجاح يُبنى بالتراكم وأن الانبهار الحقيقي لا يأتي من الصدق، من الثقة، من الإخلاص ومن الدقة في العمل.. وأن الوطنية تكون بالقدرة على استقبال الآخر بثقة وكرامة. كان «عرس الضياء» فعل إيمان بالذات، وبالقارة، وبالمستقبل.
    هكذا، تحوّلت ملحمة الكان بالمغرب إلى لحظة تاريخية تقول إن إفريقيا دخلت زمن التنظيم الكبير، وإن المغرب اختار أن يكون في مقدمة هذا التحول. وما الافتتاح الباهر إلا إشارة أولى، ورسالة واضحة: القادم أكبر، والأفق أوسع، والحلم هذه المرة قابل للتحقق.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    على رأسهم سد الوحدة: ارتفاع نسبة ملء السدود في ال 24 ساعة الأخيرة