من يحرك شبابنا خلف الشاشات …من يريد الإصلاح لا يهدم المنجزات
من يحرك شبابنا خلف الشاشات …من يريد الإصلاح لا يهدم المنجزات ولا يقاطع الإنجازات
من أخرج شباب ما يسمى بـ “جيل Z” إلى الشارع في هذا التوقيت بالذات؟ من يرسم بدلهم اليوم الخطط والرسائل والاستراتيجيات؟ سؤال لم يجرؤ أحد على طرحه بعمق، أو لعلّ الإجابات التي قُدّمت ظلت سطحية، تخاف من مواجهة الحقيقة: إن ما نعيشه ليس مجرّد احتجاج اجتماعي، بل لحظة اختبار وعي واصطفاف بين من يبني ومن يهدم، بين من يريد أن يواصل مشروع الدولة الحديثة، ومن يسعى لإرباكه عبر أدوات رقمية شديدة المكر.
انطلقت حركة “جيل زيد ” من بوابة مطالب اجتماعية نعتبرها مشروعة: الصحة والتعليم، لا أحد يمكنه أن يُنكر الأعطاب المتراكمة في هذين القطاعين، ولا حجم المعاناة التي يعيشها المواطن المغربي في مواجهة الخدمات الأساسية. لكن الغريب لم يكن في المطالب، بل في التحوّل المفاجئ: كيف انتقلت تلك الشعارات الاجتماعية من طلب الإصلاح إلى دعوات المطالب السياسية و المقاطعة الرياضية؟ كيف تحوّل الغضب من المستشفيات والمدارس إلى هجوم قوي على الملاعب التي تعتبر مشاريع كبرى وربحا صافيا لكل المغاربة، إلى دعوة صريحة لمقاطعة تنظيم كأس العالم أو “الكان”؟
منظور الدولة إلى كأس العالم ليس ترفًا رياضيًا، بل مشروع أمة يندرج ضمن رؤية استراتيجية لبناء صورة المغرب في العالم، وتنويع اقتصاده، وتحريك استثمارات كبرى. المكسب ليس في التتويج فقط، بل في تراكم الثقة، في ترسيخ صورة بلد يستطيع أن ينافس ويُبدع.
فهل من المنطقي أن يطالب البعض بـ”هدم” مشروع من هذا الحجم لبناء مستشفى رغم أهميته؟
هل الدولة أمام خيار بين الكرة والكرامة؟ بين التنمية الرمزية والتنمية المادية؟
في لحظة تألقٍ تاريخي لشباب كرة القدم دون العشرين، بفضل سياسة بناء طويلة النفس في مجال التكوين والبنية الرياضية، خرجت أصوات رقمية تدعو للمقاطعة. هنا تحديدًا ينكشف البعد الخفي: من يتحكم في موجات الغضب على المنصات؟ من يضخّ الخطابات العدائية المنظمة ضد المغرب؟
ليس سرًا أن بعض الجهات الخارجية، وعلى رأسها جارة السوء التي تؤرقها قفزات المغرب التنموية والرياضية والدبلوماسية، تسعى إلى تسميم النقاش العمومي عبر وسائل التواصل. تستخدم أدوات الحرب النفسية الناعمة لتأليب الشباب على مؤسساتهم، وتغذية الشك والريبة في كل منجز وطني.
ما يسمى بـ “جيل زيد” جيل ذكي، متصل بالعالم، لكنه أيضًا جيل هشّ أمام الإغراء الرقمي، أمام موجات التضليل التي تخلط بين النقد البناء والنقمة المنظمة.
ولذلك، فإن أخطر ما يمكن أن يقع هو أن يتحوّل وعي الشباب إلى وقود لأجندات الهدم، بدل أن يكون رافعة للبناء.
لقد آن الأوان أن نُدرك أن المعركة اليوم ليست في الشارع فحسب، بل في الفضاء الافتراضي، حيث تُكتب الروايات وتُصنع الانفعالات وتُدار الثقة العامة.
من أخرج هؤلاء الشباب إلى الشارع الآن؟ الجواب لم يعد غامضًا: من يكره أن يرى المغرب في المقدمة، من تضايقه الانتصارات الكبرى، في الدبلوماسية، في المشاريع الكبرى، في قوة جاذبية الاستثمارات، في الاستقرار الاجتماعي حتى التفوق الرياضي.
لكن الرهان الأكبر ليس في كشف الخصم، بل في استعادة عقول الشباب إلى مشروع وطني يُشركهم لا يُقصيهم، يسمعهم لا يُسكتهم. لأن أخطر ما يمكن أن تفعله أي دولة في لحظة التحول هو أن تترك أبناءها يُعاد تشكيل وعيهم من وراء الشاشات، بأصابع لا تريد لهم وطنًا يتقدّم.
على كل الفاعلين أن يعوا ما يحاك ضد هذا البلد، وعلى السياسيين والفاعلين في المجتمع المدني والإعلام أن يفككوا ما يحدث بعين نقدية تكشف محاولات الزج بشبابنا في معترك قضايا تهدم ولا تبني، نعم للاستجابة لمطالب اجتماعية كانت موجودة منذ عقود وخطط إصلاحية مبرمجة منذ سنوات، ولكن على شبابنا الذين لا يقلون وطنية عنا، أن يعوا محاولات توظيفهم من وراء الشاشات المظلمة لهدم بلدهم بأيديهم، ولنا ثقة في نباهتهم في أنهم لن يكونوا معاول هدم لبلدهم من طرف من يريد به شرا، وكل من يفرح لأي كبوة بالمغرب، فلنكن جميعا في مستوى رفع هذا الرهان لأجل هذا الوطن، نعم من أجل وطن مستقر ويتطور بهدوء .