فوز المنتخب المغربي بكأس العالم واستفتاء الوطن العظيم
لم يكن فوز المنتخب المغربي بكأس العالم حدثًا رياضيًا عابرًا، بل محطة تاريخية كشفت عن العمق الحقيقي للوحدة الوطنية، وعن قدرة المغاربة على تحويل لحظة فرح جماعي إلى تعبير سياسي وإنساني عن التماسك بين الملك والشعب، وعن الإيمان بوطنٍ يتجدد من داخله كلما استعاد أبناؤه ثقتهم في أنفسهم.
لم يكن فوز المنتخب المغربي لفئة الشباب دون العشرين بكأس العالم بالشيلي على فريق مارادونا وميسي، مجرد لحظة رياضية أو انتصارٍ كروي في سجل البطولات العالمية، بل كان محطة تاريخية كشفت عن العمق الحقيقي للوحدة الوطنية، ومنذ صافرة النهاية، أدرك العالم أن ماجرى لم يكن مجرد انتصارٍ في لعبةٍ جماعية، بل تحوّلٌ رمزي في مسار أمةٍ استطاعت أن تصنع لنفسها موقعًا جديدًا في الذاكرة الكونية.
فالمغرب، الذي راكم عبر تاريخه الطويل تجارب النهوض والانكسار، برهن من خلال هذا الفوز على أن روح الأمة لا تنكسر، وأن التميز ليس نتاج الصدفة بل ثمرة تخطيط وإيمان عميق بقدرات الشباب المغربي الذي يحمل قيم الاجتهاد والانضباط وروح الفريق..
تحوّل ملعب سانتياغو بداية هذا الأسبوع إلى مرآةٍ للعالم انعكس وجهُ أمّةٍ صغيرة جغرافياً، كبيرةٍ بروحها، التقطت لحظة المجد لتجعل منها إعلانًا كونيًا عن وحدتها، ملكًا وشعبًا، حاضرًا ومهاجرًا، من طنجة إلى الكويرة، ومن الرباط إلى مراكش، ومن باريس إلى الدار البيضاء، ومن الدوحة إلى مونديال الخلود.
حين رفع اللاعبون اليافعون المغاربة الكأس، لم تكن تلك اليد فقط التي تلامس الذهب هي التي انتصرت، بل يد التاريخ التي كتبت بلغة جديدة: أن المغرب لم يعد مجرد بلد في شمال إفريقيا بل روحًا كونية جديدة، لقد تجاوز الانتصار حدوده الرياضية، ليصير خطابًا وطنيًا جامعًا، ونقطة التقاء بين الملك والشعب، بين المؤسسة والشارع، بين الجيل الجديد المتصل بالعالم والجيل القديم المتمسك بجذور الأرض.
خرج ملايين المغاربة تلقائيا إلى الشوارع، ليحتفلوا بالكأس العالمي وليصوتوا في أبهى استفتاء شعبي غير معلن على وطنٍ واحدٍ لا يقبل القسمة على الأطراف. لم يكن أحد بحاجة إلى بطاقة انتخابية أو شعار حزبي، لأن المغرب كان هو الفائز الوحيد. في تلك اللحظة التي علت فيها الأعلام فوق البيوت والمقاهي والسيارات، فهم الجميع أن هذا البلد، الذي قد يبدو مختلفا في لغاته ولهجاته وألوانه، إنما يتوحد في نبضٍ واحد حين تشتعل قلوبه حبًا له.
كان حضور جلالة الملك محمد السادس في تصريحات لقجع والمدرب وهبي واللاعبين أبطال العالم في قلب لحظة الاحتفال علامة فارقة. فقد بدا في قلوب اللاعبين ورئيس الجامعة والمدرب كأنه ليس فقط قائد دولة، بل أب الأمة .
صور الملك مرفوعة وسط أجواء الاحتفالات لم تكن صور بروتوكول، بل صورُ وطنٍ يذوب الحاجز فيه بين العرش والشعب.
لقد أعاد هذا التلاحم بين القيادة والشعب تعريف الشرعية الوطنية، ليس بالخطاب ولا بالبرامج، بل بالمحبة الملموسة التي ترجمتها دموع الفرح في العيون. منذ زمن بعيد، لم يُرَ المغاربة بهذا الإجماع حول وطنهم ورايتهم وفخرهم بمنجز فتية شجعان استحقوا اسم أشبال الأطلس.
لقد كان الفوز المغربي أيضًا انقلابًا في النظرة العالمية: من بلدٍ يُختصر في السياحة أو التاريخ القديم، إلى أمةٍ حديثة تمتلك روحًا جماعية نادرة. حين شاهدت الشعوب الأخرى المغاربة وهم يحتفلون في شوارع سانتياغو، نيويورك، باريس ومدريد وأمستردام… بنفس الشغف الذي في الرباط وفاس والعيون والداخلة ووجدة وطنجة، أدركوا أن المغرب ليس وطنًا للمغاربة فقط، بل فكرة كونية عن الأصالة والكرامة والإصرار.
لقد كتب المغاربة في المونديال دستورًا رمزيًا للعالم، مفاده أن الهوية ليست جغرافيا، بل قدرة على جعل الحلم ممكنًا، وأن إفريقيا والعالم العربي قادران على صناعة المجد حين تتوحد الإرادة.
سيُذكر فوز المغرب بكأس العالم في كتب التاريخ لا كحدث رياضي، بل كمنعطف حضاري. لأنه حرّر المغاربة من عقدة “نحن الصغار في مواجهة الكبار”، وأثبت أن المجد لا يسكن الضخامة بل الإيمان بالقدرة على تحقيق المستحيل وأن مونديال قطر ليس بيضة الديك.
وسيبقى هذا الفوز، بكل رموزه، نقطة ضوء في تاريخ الأمة، دليلًا على أن المغرب، حين يتحد ملكًا وشعبًا، يصير أعظم من كل حدود الجغرافيا والسياسة. إنها شهادة على أن المغرب، حين يثق أبناؤه بقدراتهم، يصبح معجزة.
لقد فاز المنتخب، نعم، لكن من فاز حقًا هو المغرب نفسه في أعين أبنائه وفي ذاكرة العالم إلى الأبد.